كتب الدكتور صفوق الشمري في زاويته الأسبوعية المنشورة في الرياض يوم الثلاثاء 3\2\1436 مقالاً تحت عنوان «الموجة الرابعة أم الموجة الخادعة؟ مؤامرة الربيع العربي» أشار فيه أن الربيع العربي ليس سوى مؤامرة أمريكية إخوانية بهدف «تغيير الأنظمة العربية بنظام شمولي سني يتبع لرأس واحد (المرشد) يماثل نظام ولاية الفقيه في إيران وسيطرته على الشيعة وبما أن أمريكا ستتحكم بالرأس فسيتبعها الأطراف (بقية الدول العربية).....» وأشار إلى أن المتآمرين ومن أجل تمرير خطتهم هذه أطلقوا عليها اسم الموجة الديموقراطية الرابعة للتمويه بأنها امتداد لموجات الانتقال الديموقراطي التي شهدها العالم منذ القرن التاسع عشر حسب توصيف عالم السياسة الراحل صامويل هنتنقتون. ولأهمية الموضوع ومن باب تبادل الرأي حول قضية التحولات السياسية الكبيرة التي يشهدها عدد من الدول العربية منذ أربع سنوات تقريباً ولخطورة ما تضمنه المقال رأيت المشاركة بهذا التعليق على جزئية مهمة تضمنها المقال. لن أتوقف عند مسألة مسببات الربيع العربي وهل يعد امتداداً للانتقال الديموقراطي في العالم، أو مشروعاً تآمرياً رسمته الولاياتالمتحدة بهدف تغيير أنظمة الحكم وتسليم السلطة في العالم العربي لجماعة الإخوان لإدارته بما يتوافق مع مصالح واشنطن كما ذكر الكاتب. سأكتفي فقط بالوقوف عند الأسماء التي استشهد بها الكاتب لتأكيد ما ذهب إليه بوجود خطة وضعتها إدارة الرئيس الأمريكي بمشاركة جماعة الإخوان لإسقاط أنظمة الحكم في الدول العربية وتسليم السلطة للإخوان وتمرير هذه الخطة تحت شعار الربيع العربي. فقد ذكر الكاتب ثلاث شخصيات أمريكية هم: الجنرال الأمريكي توم ماكلنيري مساعد قائد الأركان وقائد القوات الجوية الأمريكية (السابق) في أوروبا، وفرانك غافني رئيس مركز السياسة الأمنية، وكلير لوبيز نائبة رئيس المركز للدراسات والتحليل. هذه الشخصيات الثلاث تشترك في انتمائها لليمين المتطرف الذي جعل من كراهية الإسلام مبدأً أصيلاً في عقيدته السياسية، ويكاد نشاطهم محصوراً في التجني على الإسلام والمسلمين تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. كما يشترك الثلاثة في تبني فكر المؤامرة ضد الولاياتالمتحدة ويشنون هجوماً قاسياً ضد الإدارة الأمريكية التي يتهمونها بالتواطؤ مع التنظيمات الإسلامية ضد المصالح الأمريكية. الشخصيات الثلاث تعمل في مركز السياسات الأمنية في واشنطن الذي اتخذ من مواجهة ما يصفه بتهديد الشريعة الإسلامية للولايات المتحدة محوراً رئيساً لأنشطته. وحسب عدد من أبرز إصدارات المركز يعتقد هؤلاء أن مواجهة الغرب ليست مع التنظيمات المتطرفة كالقاعدة أو داعش بل هي مع الإسلام ذاته؛ فهذه التنظيمات ليست سوى تعبير عن جوهر العقيدة الإسلامية التي لا تختلف في شموليتها وخطورتها عن النازية والفاشية والشيوعية ويسعى المسلمون إلى فرضها على العالم سواء من خلال الجهاد أو الدعوة. ولذلك يرى هؤلاء أن مواجهة هذا التهديد لا تتحقق من خلال حرب على داعش بل بإعلان حرب على الشريعة الإسلامية كما جاء في عنوان مقال لرئيس المركز فرانك غافني نشره في شهر أغسطس الماضي. المركز نشر كتاباً عنوانه الشريعة: تهديد للولايات المتحدة يصف كيف أن الإخوان المسلمين قاموا برسم استراتيجية تنفذ على عدة مراحل للسيطرة على الولاياتالمتحدة، ولذلك كان لزاماً على مواطن أمريكي فضح هذا المخطط. ويرى هؤلاء أن التهديد الإسلامي للولايات المتحدة لا ينحصر في نشاط الإخوان بل يشارك فيه عدد من الدول الإسلامية من خلال تقديمها الدعم المالي لنشر الإسلام في العالم. ففي عام 2006 شارك الجنرال ماكلنيري، وهو عضو اللجنة العسكرية في مركز السياسات الأمنية، في تأليف كتاب بعنوان نهاية اللعبة: مخطط الانتصار في الحرب على الإرهاب يزعم فيه بوجود شبكة عالمية للإرهاب تقودها ثماني دول هي: كوريا الشماليةوإيران والعراق وسورية وليبيا وأفغانستان وباكستان والمملكة العربية السعودية. وفي حين دعا إلى شن حرب على سورية وكوريا الشماليةوإيران وليبيا أسوة بأفغانستان والعراق، فقد أوصى الإدارة الأمريكية أن تقوم بالضغط على المملكة وباكستان لتبني الإصلاح وفق خطة مفصلة، وفي حال عدم قبول هذه الخطة فعلى الولاياتالمتحدة شن حرب والسيطرة على حقول النفط ومنشآته. الجنرال ماكلنيري واتساقاً مع توجهاته اليمينية المتطرفة لا يكتفي فقط باتهام أوباما بالتآمر مع الإخوان ضد المصالح الأمريكية، بل يعتقد أنه ينفذ خطة محكمة تهدف إلى تحويل المجتمع الأمريكي إلى مجتمع شيوعي من خلال إعادة توزيع الثروة والسماح للمهاجرين من أمريكا اللاتينية بمشاركة الشعب الأمريكي ثروتهم! أما فرانك غافني رئيس المركز والذي عمل سابقاً في وزارة الدفاع في مكتب سيئ الذكر ريتشارد بيرل الذي كان يعرف باسم أمير الظلام فيعد من أكثر الشخصيات كراهية للإسلام ويصفه بأنه عقيدة وحشية قمعية سامة خطط الإخوان المسلمون لنشرها في الولاياتالمتحدة في إطار مشروع الجهاد الحضاري مستخدمين في ذلك وسائل سرية على عدة مستويات وقد نجحوا في اختراق الإدارة الأمريكية. غافني كتب مقالاً أشار فيه إلى ما يعتقد أنه دليل عملي على مدى خضوع الرئيس أوباما للإخوان المسلمين ويتمثل في تغيير شعار وكالة الدفاع الصاروخي ليصبح شبيهاً بعلم إسلامي بإضافة الهلال والنجمة! الشخصية الأخيرة التي استشهد بها المقال هي كلير لوبيز والتي كانت تعمل في وكالة الاستخبارات الأمريكية وتحولت إلى خبيرة في قضايا الإرهاب والإسلام. كلير لها تصريحات تتهم فيها الرئيس أوباما بأنه يحمل نفس أهداف بن لادن وتتمثل في إنهاء الوجود الأمريكي من العالم الإسلامي. كما تنتقده لدفاعه عن الإسلام وقوله إن داعش لا تعبر عن المسلمين وتستغرب كيف لأوباما أن يصف الإسلام بالاعتدال في حين أن ما تقوم به داعش ليس سوى ترجمة لنصوص في القرآن والسنة النبوية. وفي مقال لها بعنوان «المسجد: مركز الدين والسياسة والهيمنة» كتبت كلير تقول إن المسجد ليس مكانا للعبادة فقط بل هو قاعدة للعمليات العسكرية ومركز للقيادة والسيطرة» وفي ذات المقال ذكرت أن الإسلام شرَع ممارسات قبلية عربية تعبر عن أكثر النزعات البدائية للسيطرة والهيمنة بالقوة، وأن القرآن منح شرعية دينية للاغتيال وقطع الطريق والإبادة والكراهية والاغتصاب والرق والنهب، ولذلك لن يرى العالم نهاية لحروب المسلمين مع غيرهم. هناك أمثلة كثيرة تدل على تطرف هؤلاء وشذوذ آرائهم وتكفي للحذر من الاستشهاد بهم وأخذهم على محمل الجد عند مناقشة قضايا مهمة مثل التحولات السياسية الراهنة في العالم العربي. * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود