من أفضل الكتب التي تناولت ظاهرة الإبداع وعلاقتها بالمرض النفسي هو كتاب "الحكمة الضائعة" من سلسلة عالم المعرفة للدكتور عبدالستار إبراهيم. يتناول فيه ظاهرة الإبداع وعلاقتها بالاضطراب النفسي ويورد لنا أمثلة لعدد من المبدعين الذين عانوا من الاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية. من هؤلاء الأديب الكبير عباس محمود العقاد والذي لو شرح حاله لطبيب أو أخصائي نفسي لما تردد في تشخيص حالته بالاكتئاب! إذ أن العقاد كان يشكو من الإرهاق البدني والشكاوى المرضية المتفرقة وعدم الإقبال على الحياة والإحجام عن الانخراط في أي نشاط إيجابي والتفكير بالموت إلى غير ذلك من الأعراض. وهذه كلها مؤشرات قوية لوجود الاكتئاب. ومن هؤلاء أيضاً محرر العبيد ورئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية "ابراهام لينكولن" والذي كانت تمر به نوبات اكتئاب قاسية يعقبها نشاط زائد وإغراق شديد بالعمل، وهذا هو نوع من الاضطراب النفسي الذي يعرف بالاضطراب ثنائي القطب الذي تتناوب فيه لدى الشخص نوبات الاكتئاب والهوس ويبقى الشخص تحت وطأة هذا التقلب المزاجي الحاد. وأيضاً من المشاهير الذين أصيبوا بالاكتئاب "تشرشل" وكانت تصيبه نوبات حادة من الاكتئاب والتي سماها"الكلب الأسود" ويصف مشاعره التي تتشابه مع ما يمر به غالبية الأفراد المكتئبين فيقول:" تمر لحظات طويلة أشعر فيها أن الأمل خبا من حياتي وبأني عاجز عن العمل وهذا الكلب الأسود يجثم فوق كاهلي، حتى فقدت الرغبة في الخروج إلى العالم الخارجي". ويبدو أن عدداً لا بأس به من الكتاب والشعراء كان قدرهم أن يعانوا كأنيس منصور وصلاح عبدالصبور وعبدالرحمن شكري ومي زيادة. فقد عانى هؤلاء من الاكتئاب والذي دفع بالشاعر عبدالرحمن شكري على سبيل المثال للانتحار، وأدى بمي زيادة لدخول مستشفى الأمراض العقلية في لبنان. وإن كان البعض يرى أنها تعرضت لضغوط نفسية هائلة، كما أنها فقدت الدعم الاجتماعي ممن حولها مما أدى إلى تفجر المرض لديها وزاد من سوء حالتها. ختاماً يبدو أن الجدل حول علاقة الإبداع والموهبة بالاضطراب النفسي لن ينتهي. والدراسات تتفاوت في نتائجها. بعضها يشير إلى أن هناك علاقة سالبة بينهما. بمعنى كلما كان الشخص مضطرباً كلما انخفض الإبداع لديه أياً كانت نوعية الإبداع. إلا أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى أن بعض المبدعين شخصت لديهم اضطرابات نفسية، إلا أن العلماء هنا يضعون افتراضاً أن الإبداع موجود لدى هؤلاء الأشخاص وسيظهر سواء ظهر عليهم اضطراب أم لم يظهر. وهذا يوصلنا إلى وجهة نظر ثالثة لمجموعة من العلماء والتي ترى أن افتراض العلاقة خاطئ من الأساس. فوجود اضطراب من عدمه لدى الشخص لا يعد مؤشراً لظهور الإبداع لديه، فالعلاقة بينهما محايدة. وأنا شخصياً أميل إلى هذا الرأي. وماذا عنك عزيزي القارئ! لمراسلة الكاتب: [email protected]