قال تعالى في كتابه الكريم .. وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ سورة الروم الآية رقم ( 20 ) . إن العلاقة بين الزوجين تعد من أسمى العلاقات الإنسانية حيث أنها تحوي أسمى الصفات الوجدانية ( السكن والمودة والرحمة ) . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو .. كيف نسمو بهذه العلاقة الزوجية ونرتقي بها إلى المعنى المقصود في هذه الآية الكريمة ؟؟!!.. في الحقيقة إن أهم ما يميز العلاقة الزوجية بين الزوجين مما يجعلها ترتقي إلى علاقة مثالية يسودها السكن والمودة والرحمة كما تجلى لنا في الآية الكريمة أعلاه هي أربعة عوامل أساسية هي كالآتي : أولاً – أن تحوي هذه العلاقة " شيء " من الحب والعطف والحنان . ثانياً – على كل من الزوجين أن يتحمل .. بل ويتقبل الآخر . ثالثاً – الصبر ( طولة البال ) على الطرف الآخر . رابعاً – الحرص على مشاركة ومراعاة الطرف الآخر أحاسيسه ومشاعره . ... فحينما يقال - شيء من الحب والعطف والحنان – فيقصد به الإعتدال في ذلك بمعنى أن لا يتم المبالغة والمغالاة في منح الزوج أو الزوجة هذه المشاعر ، وذلك من أجل أن لا يصل الزوج أو الزوجة إلى مرحلة ما تسمى " التمرد العاطفي " أي تمرده وتعاليه على مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر تجاهه ( يعني شايف نفسه !!.. ) مما يصيب الشخص نفسه بالفتور والملل عاطفياً من الطرف الآخر . وفي المقابل يجب أن لا يقوم بحرمان الطرف الآخر من هذه المشاعر كلياً ، حيث أن ذلك يسهم وبصورة مباشرة في تزايد التنافر فيما بينهما مما يؤدي إلى فشل العلاقة الزوجية ومن ثم الإنفصال . والأفضل بين هاتين الحالتين أن يمنح الزوج أو الزوجة هذه المشاعر للطرف الآخر عند الحاجة إليها فقط .. أما في غير هذه الحالة فلا حاجة لها مطلقاً حيث أنها تعتبر " فائض عاطفي " لا قيمة له في الحياة الزوجية !!.. كما يجب على كل زوج أو زوجة أن يتقبل الطرف الآخر بسلبياته وإيجابياته ( مهما كان .. فهو أحسن من غيره ) .. بل ويتقبل الحياة معه بحلوها ومرِّها وعلى ما يقولون بالعامية ( المشاكل ملح الحياة الزوجية ) فهذه - الإختلافات وليست الخلافات - في وجهات النظر هي حقاً تعطي فرصة للعتب أحياناً والزعل أحياناً أخرى ومعرفة مكانة كل طرف لدى الآخر ، كما أن ذلك يسهم وبشكل مباشر في إندماج شخصيتي الزوجين وتوأمة عواطفهما وتجدد أحاسيسهما . إن من أهم الواجبات المترتبة على كل من الزوج أو الزوجة هو الصبر على الطرف الآخر أو على ما يقال بالعامية " يطوِّل باله عليه .. " .. نعم !!!! فلا أحد منا خالٍ من الخطأ ، وكلنا بشر وكلنا خطاءون ولكن خير الخطاءون التوابون كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله قال : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " .. كما أن الله سبحانه وتعالى بعظمته وجلالة قدره يغفر الذنوب جميعاً لعباده .. فكيف بنا نحن البشر ؟؟!! بل فكيف بالزوجين اللذان هما سكن لبعضهما ؟؟!!.. حيث أن هذا الشريك هو نصفك الآخر وشريك حياتك إلى الأبد - وهذا أقل ما يكافأ به منك .. وذلك يكون بالتقرب منه أكثر فأكثر والعمل على تدعيم إيجابياته وتشجيعهه .. بل وتقديره عليها ، وفي المقابل العمل على معالجة سلبياته وسلوكياته الخاطئة تدريجياً ، وهكذا شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح شخصية نموذجية كما تريد أن يكون .. إن من أهم ما يقوي علاقة الزوج بزوجته والعكس هو مراعاة الطرف الآخر لأحاسيسه ومشاعره .. بل ومشاركته في ميوله واتجاهاته ونشاطاته أيضاً .. وذلك بأن يتعامل معه بلغة الأصدقاء لا بلغة الأزواج بمعنى أن يكون ذلك في جو يسوده الحرية في التعبير ( يعني ماخذ راااحته في الكلام !!.. ) لا في جو تسوده الواجبات والمسؤوليات المترتبة عليه .. هذا مع أهمية احترام رغباته واتجاهاته وتشجيعه عليها - مهما كانت - إن لم يكن بها شيء يخدش الحياء والدين . والحذر كل الحذر من التقليل من شأن هذه المشاعر والميول والإتجاهات حيث أن ذلك يعد نوعاً من عدم الإحترام .. بل ورفضاً لذوقه وثفافته .. وفي المقابل فهو يعتبر ذلك رفضاً له شخصياً . أحبتي .. فلنتفكر جميعاً في هذه الآية الكريمة حيث أنها لخصت أسرار السعادة الزوجية بصورة موجزة ودقيقة تجلت لنا فيها بلاغة وعظمة وإعجاز القرآن الكريم .. كما أن هذه العوامل الأربعة سابقة الذكر كفيلة بأن تجعل الزوجان " روحان في جسد واحد ".. بل وسينظر كل طرف إلى الآخر على أنه الروح التي تسكن جسده !!.. وهنا أتساءل : هل يستطيع أحد منا أن يتخلى عن روحه التي تسكن جسده ؟؟!!.. مع خالص تمنياتي لكم بحياة أسرية سعيدة .. هشام بن أحمد آل طعيمة كاتب ومدرب ومحلل شخصيات محترف متقدم [email protected]