تُشكل التربية الجنسية في حياتنا عُمقاً كبيراً في النفوس وتُؤثر في سُلوكنا وتفكيرنا وبالتالي قراراتنا، وكثيراً ما نقرأ ونستغرب من عباراتٍ كُتبت بأروع الأساليب تجتذبُ القارئ بشقيه الرجال والنساء، وقد قرأت عبارة كتبت تقول: (لا تدع أروع اللحظات تمرُ في حياتك) إنها عبارةٌ تستوقف القارئ مهما كان سنه ومستواه الثقافي، وهناك من يقول إن فشل الزوجين في إقامة علاقة سليمة يكونُ في كثيرٍ من الأحيان من أهم أسباب المشكلات حتى الطلاق . إنني لستُ مع هذا القول إلى حد قريب أو بعيد ولكنني لا أُنفيه ولا أزد عليه ولا أؤيده تماماً رغم أن هذه الأمور المسكوت عليها بين الزوجين يُمكن علاجها بينهما عن طريق عمق العلاقة الزوجية والتقارب والتوادد والحميمية بين الزوجين دون وسيطٍ ثالث أو تدخل خارجي. وما دُمنا نؤمنُ أن الزواج شراكة متبادلة من الحُب والتفاهم والتوافق. إذاً بإمكان الزوجين التغلُب على كل ما من شأنه تعكير صفوّ حياتهما الزوجية مهما كان الأمر من السريّة والشخصية، فليس هناك خطوطٌ حمراء بين الزوج والزوجة. ونحن نُؤمنُ بأن هناك كثيراً من العوامل والظروف التي تُعيق السعادة الزوجية ولكنها لا تقتلها، ومنها البرود الجنسي وكذلك العاطفي وخاصةً في مجتمعاتنا العربية الشرقية الإسلامية المحافظة التي يخجل كل من الطرفين الزوج والزوجة في التعبير عن عواطفهما تجاه بعضهما البعض. ولكنَّ الشيء الذي يؤدي إلى التأرجح في الأفكار والاتجاه هو أن كلاً منهما يعيشُ حياته ضمن روتينٍ معيَّن لا يستطيع التخلُّص منه أو التعبير عن مشاعره نحو الآخر وهذا ما يؤسفَ لهُ في مجتمعنا العربي المسلم المحافظ. فما يُسمى بالرومانسية لم نألفها ولم نعشَها من خلال مشاهدة والدينا أو في مجتمعنا إلا من خلال مشاهدة الأفلام التي نعتبرها في عرفنا المحلي خارجة عن الحياء والعرف والتقاليد، ولذلك نجد أن الجنس يُسيطر على مخيلتِنا ويُشكل في كثير من الأحيان سلوكاً مستتراً يعيشُ في اللاشعور يُحاول أن يظهر خفياً على شكل زلات لسان أو كما يفعل المراهقون من أبنائنا بالتعبير عنها برسوماتٍ على الحيطان، وقد تعوّدنا في مجتمعنا المسلم المُحافظ أنه لا يستطيع الإنسان منّا مهما كان عمره وتعليمه وثقافته وجرأته أن يظهر هذه الرغبة أو يُلمِّح بها في أوساطه الاجتماعية فيبقى في مخيلتنا بشكل سلوكٍ وضميرٍ مستتر يظهر على شكل ما نُسميه أحياناً (بالتشاقي) أو (العفرتة) وهذا بالمعنى المُبطن لشيء من السلوك الرومانسي العاطفي المُستتر فالكبت وعدم الحديث عن الميول الجنسية زادت من سيطرته علينا وعلى تصرفات البعض منّا وعدم إمكانات التصريح به في أية صورة أو شكل أو معنى أو كلمة من الكلمات الممتنعة التي تعلَّمناها أو استقيناها منذُ صغرنا من الشللية وزملاء الدراسة واللعب أو من أبناء الجيران فنحنُ لا نعرفُ كيف نصرح بالجنس أو نعبر عنه إلا من خلال كلمات سوقية لم نسمعها من خلال منهجٍ علميٍّ دراسيٍّ متأدب أو من خلال تدريسها في المدارس أو الجامعات بمصطلحات علميّة وأهداف سامية وألفاظٍ متأدبة. وهذا ما يُعرف بالطبع ويُطلق عليه التربية الجنسية. فمتى تعلَّم الشاب هذه التربية المُستقاة من منهجٍ علميٍّ أصبح قادراً على أن يُعبر عن مشاعره ويعرضَ عواطفه ويصحح من أخطائه بطريقة لائقة، فعدم وجود ثقافة جنسية يُورثُ الخجل وعدم القدرة على التصرُّف أو التعبير عن المشاعر أو ممارسة الرومانسية بطريقة علمية متأدبة وخاصةً عند الإناث ، فالتربية الملتزمة بمفهومها الخاطئ وهي السائدة في مجتمعنا لها دورٌ كبير في عدم تقبل أي كلمة أو حوار عن الجنس ويبقى الخجلُ هو المسيطر على سُلوكنا مما يؤدي إلى عدم تقبل أي نقاش في الثقافة الجنسية أو التربية الجنسية بكل معانيها. فالجنس لا يمثل إلاّ نسبة معينة في نظري تختلفُ نسبتها باختلاف الزوجين فالمرأة لا تتزوج فقط للجنس بل هي تأْمُل أن تنال العطف والحنان والتقدير والاستقلال والأمان وتكوين أسرة وإنجاب أبناء. فبيتها هو مملكتها المميِّزة لحياتها وزوجها هو فارس أحلامها وهو الملك المُتوَّج وحُلمها هو تكوين أسرة من فلذات كبدها. وتظلُ الفتاة في مجتمعنا تنتظر بفارغ الصبر فارس الأحلام وتكوين أسرة لأن الاستقلالية والحنان والتوافقُ والإنجاب هما أهم ما تبحث عنه المرأة في حياتها وهذا ليس معناه التنازل عن حقها الجنسي ولكنه لا يمثل كل شيءٍ في حياتها، فكم من امرأة استعاضت عن الإشباع الجنسي بنظرة حنان أو لمسة أو كلمة أو توافق بينها وبين زوجها وكم من امرأة أيضاً مات عنها زوجها فانكفأت على أبنائها لتعليمهم وتربيتهم ، فجوانب السعادة لدى المرأة متعددة المصادر، فكثير من النساء حين يكون الرجل عقيماً وطيباً ويوفرُ لها السعادة الزوجية تعدلُ عن الإنجاب وتستمر معه في حياته وهي بذلك تكونُ أوفى من الرجل لأنها شاركته محنته وصبرت على عواطفها ولكن الرجل لا يضحي في كثير من الأحيان لأجل المرأة بسبب عدم إنجابها بل يُحاول ويكرر محاولة علاجها أكثر من مرّة حتى يخرج بقرارٍ عاجلٍ بزواج أخرى. فالسعادة الزوجية ليست في الإنجاب بقدر ما هي بالتعامل المُوجب والتفاهم والتوافق بين الزوجين في حياتهم ولا تنحصر علاقة الرجل بالمرأة في الجنس فقط في كثير من الأحيان فالتضحية بين الزوجين كثيراً ما تأخذ مثالاً يُحتذى به ويشارُ إليه بالوفاء والتقدير لشريكة الحياة، وليتنا نأخذ بقول الله عز وجل:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة"، فالزواج ليس شراكة مادية تجارية ولكنه شراكة نفسية عقلية عاطفية تربط بين قلبين.