المحترقون في الأرض عندما تذهب للملعب ، أو للمقهى ، أو للسوق ، أو لميدان عام ، أو تتهيأ لدخول دائرة حكومية ، أو شركة خاصة ، أو قصر ٍ للأفراح ، فاحذر من الاحتراق واتبع شروط السلامة . عليك بفصل أسلاك الحواس الخمس ، وتعطيل حاسَّة الشم ، وإياك أن تخطف الخطفة بنظراتك الناقدة إلى مصدر اللهب ، فستجد شُهبا ً من النظرات الحارقة وسيرجع نظرك خاسئا ً وهو حسير ، ولا تنبس (بنُصح) شفةٍ إليهم ، فسيُشمِّتون بك العاذلين من أقرانهم المحترقين . مع زحمة الوجوه والعابرين المدخنين تظن أنَّ الكثرة تغلب الشجاعة ؛ فكل هؤلاء البشر العاقلين مخطئون وأنت مصيب ! ولكنَّ بعض الظن إثم ؛ فإياك والمساس وإياك والتذوق فإنه طريقك إلى الإدمان ، والإدمان - يا رعاك الله - كغيابة جُبٍ في وادٍ سحيق ، من وقع فيها فلا رجاء لخروجه إلا برحمةٍ من الله . يقول لي أحد المدخنين : (( ابتدأتُ التدخين في سن المراهقة ، وحاولت مرارا ً أن أهجره فما استطعت إلى ذلك سبيلا ً ، توجهت إلى عيادة مكافحة التدخين فعدتُ (محترقا ً) أكثر من ذي قبل ! أعرف أنَّ التدخين لاطعم له ، ولا منفعة من ورائه ، بل آلام الصدر القاتلة ، وحسرات الأموال المحترقة ، وأجزم - متيقنا ً أنَّ الإرادة هي علاج أيِّ إدمان ، ولكن لو كانت الإرادة في متناولنا (نحن المسلمين) لأعدنا مجدا ً تليدا ً بأيدينا أضعناهُ!)) . لا أخفيكم سرا ً مع هذه الكلمات البائسة ، والروح اليائسة ، والمعاني الصادقة ، ما استطعت أن أكمل حديثي معه فقد استسلمت لاختناق العبرة ! . قبل مجيء التدخين إلى بلادنا قبل عقودٍ من الزمن ليدنسَ أرضنا الطاهرة ، ويُقيَِّدَ إخواننا الأحرار ، لم يكن غريبا ً أن نخوض تجربة الاحتراق ؛ فإنَّ المؤمن قد يلدغ من جحرٍ مرة ، لذا فإنَّ اللدغة الأولى كانت قبل نصف قرن تقريبا ً ، وقد صرخ من ألمها كلُ مجرِّب ، وظهرت - من أثر هذه الصرخة - عبارات التحذير والاستهجان من هذا الوباء ، فهم قد نعتوه بالمخزي واستصغروا صاحبه . كل هذه المؤشرات تدل على مكافحة التدخين منذ بداية ظهوره في ذلك الجيل ؛ لأنَّه - بالمفترض - سينتهي ذلك الجيل بتقدم العمر ، ويأتي بعده جيل ٌ يعي ذلك الخطر بدلالة اللدغة الأولى وبدلالة الحال ، ولكنَّ الأمر لم يمضِ ِ بالمُتوقع والمُفترض فقد لُدغنا بعد ذلك غير مرة ! ولا أدري كيف تفسرون ذلك ؟ فإن ّ ابن الملدوغ الأول لُدغ هو الآخر ! وقشر الموز انزلق عليه طابورٌ من الأجيال! ولا أعرف وقتا ً لتوقف سياسة القطيع ، وقشر الموز ! قد تعذروني لشدة اللهجة إذا قلت لكم إنني رأيت بريئا ً في العاشرة من عمره يحترق بلفافةٍ يتفاخر بتقليبها بين إصبعيه الغضتين قائلا ً : والدي وإخواني وأعمامي والناس في الشوارع يحترقون مثلي ؛ ولا يبدون تألما ً من هذا ! . عندها انفجرت باكيا ً متمثلا ً بقول الشاعر : إن كان عندك يا زمان بقية مما تهين به العقول فهاتها ! أحمد بن سعد المطيري جريدة الجزيرة