"لأن ترك التدخين سيكون بالنسبة لك، أشبه بقتل كائن عزيز" هكذا أجاب الطبيب النفسي صديقه الروائي العظيم غابريال غارسيا ماركيز عن السبب العميق وراء قوله بأن التدخين هو "الإدمان الذي يصعب التخلص منه أكثر من سواه". بكل ما تحمله جرأة قتل كائن عزيز من معنى، وحتى يصل المدخن إلى هذا القرار فلابد من دافع قوي يبرر له ارتكاب هذه "المأساة" بقلب لم يعد أمامه خيار آخر ؛ سوى أن يجهز على هذا الكائن العزيز الذي يحتم القدر أن يقتل أحدهما الآخر، باختلاف يكمن في سرعة الإجهاز على الآخر، فبينما أن هذا الكائن العزيز يقتل المدخن ببطء وفاء للرفقة! لا يتطلب القرار من المدخن وهو الطرف الأقوى في هذه المعادلة إلا أن يمتلك الإرادة ليغرس آخر سجائره في المنفضة وهي بكامل اشتعالها دون أن يرف له جفن. وهو خيار الحياة عندما يكون بقاؤك حياً مرهوناً بقتل كائن عزيز شاركته رفقة طويلة. وأكثر الناس نكراناً لن يعترض على حق المدخن في الشعور بالأسف أو الحنين ربما لوهم إطفاء حريق التفكير المشتعل لكن الخيار لم يعد إلا أن تقتله أو يقتلك!. وسرعان ما تخور إرادة الكثيرين بعد وقت قصير من قرار الإقلاع عن التدخين، وتقول شواهد كثيرة إن الإقلاع عن التدخين يتطلب إرادة قوية لا يمتلكها إلا من شارف على النهاية ولم يعد من فرق بين إقلاعه أو استمراره مدخناً في حساباته الصحية، أو مدخناً تكشفت له مذلة العبودية التي هو فيها في ساعة تجل كبيرة فقرر أن لا مزيد من العبودية . ورغم تكاليف التدخين الباهظة صحياً إلا أن الكثير من المدخنين لا يملكون الإرادة التي تمكنهم من النجاة لذلك يموتون بوباء مرض خبيث أو يخطفهم الموت من بين أحضان أبنائهم بواسطة جلطة مباغتة. من الواضح أن المدخنين لا يبالون بما يسمى (بالتدخين السلبي) ولا بحالة القرف التي تعاني منها زوجاتهم وأطفالهم وزملاؤهم إثر رائحة الدخان الكريهة، كما أنهم لا يبالون بالأثر النفسي العميق الذي يخلفه التدخين لدى أطفالهم، فكون الأب مدخناً وفق ضوابطنا الاجتماعية هو انتقاص لكمال صورة الأب "القدوة" في ذهن أطفاله، ويصبح الأمر مضحكاً حد الحزن أن ينصح الأب المدخن أبناءه وهو يسعل بأن لا يعبثوا بعلبة سجائره!. وضمن ردود الأفعال لأبناء المدخنين للخروج على قيد رقابة الأب ومحاولة إثبات استقلالهم فإن أول ما يفعلونه هو الاتجاه للتدخين، وأحياناً يتجه أبناء المدخنين للتدخين لمجرد الاقتداء ب "القدوة"، لتنتقل المشكلة إلى الجيل الثاني من العائلة. ولا ينصح بالاتكال على صحوة مدخن قد لا تجيء ؛ بل في إجراءات حكومية حازمة كتفعيل قرار مجلس الوزراء بمنع التدخين في المباني الحكومية ومنعه أيضاً في الأماكن العامة ووسائل النقل العام، بالإضافة لرفع الضريبة أضعاف ما هي عليه الآن، كما هو عليه الحال في الكثير من دول العالم التي تكافح التدخين بجدية نفتقدها . وشهد يوم الأربعاء دعوة للتوقف عن التدخين في بريطانيا التي يموت فيها 411ألف مواطن سنوياً نتيجة التدخين، وتبنت هذا اليوم العديد من الجمعيات الخيرية والصحية البريطانية رافقته حملة إعلامية كبيرة رفعت شعار (يوم بلا تدخين) . ويتفاعل سنوياً مع هذه الحملة أكثر من مليون مواطن بريطاني من المدخنين الذين يرغبون في التوقف عن هذه العادة، وتهدف هذه الحملة لتوفير يوم موحد يساعد المدخنين في عدم تأجيل القرار . ويكلف التدخين في المملكة المتحدة الفرد وفق نظام جديد أقر مؤخراً 07جنيهاً إسترلينياً ( 045ريالاً) في حالة رميك لعقب السيجارة في غير الأماكن المخصصة لذلك، كما تكلف العلبة الواحدة من السجائر ما يقارب ال 05ريالاً أي عشرين ضعفاً لسعره في المملكة العربية السعودية. وكان قرار صدر العام الماضي في المملكة المتحدة يطبق بحزم يمنع التدخين تحت أي مكان مسقوف، وتترتب على مخالفته عقوبات صارمة تصل لتغريم الجهة المخالفة ل 03ألف جنيه إسترليني. وبعد أن تلقى ماركيز الإجابة السابقة من صديقه الطبيب النفسي يروي في الجزء الثاني من مذكراته أن ما حدث "كان أشبه بتفجير بصيرة، لم أعرف قط السبب ولم أشأ معرفته . لكني سحقت في المنفضة السيجارة التي كنت قد أشعلتها للتو، ولم أعد للتدخين بعدها، بلا جزع ولا أسف، طوال ما تبقى من حياتي".