تعيش مكةالمكرمة هذه الأيام عرساً قرآنياً جميلاً بإقامة مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره في عامها الثاني والثلاثين برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيزوتنطلق لأول مرة في الحرم المكي الشريف وهي لفتة كريمة من القائمين على المسابقة وعلى رأسهم شيخنا الفاضل معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ (حفظه الله) وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد رئيس المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية في إبراز دور الحرم في تعليم القرآن الكريم والذي انطلقت فيه أولى حلقات التحفيظ قبل نصف قرن على يد الشيخ محمد يوسف سيت (رحمه الله) الذي أتى من باكستان لإحضار معلمين سعوديين للتدريس في حلقات التحفيظ في بلده وعندما لم يجد الأعداد الكافية بدأ في تنظيم حلقات التحفيظ بالحرم المكي ومنها انتشرت هذه الخيرية العظيمة إلى باقي مدن وقرى المملكة. ما كانت هذه المسابقة أن تستمر بهذه العالمية والتميز النوعي والكمي لولا توفيق الله عزوجل ثم حرص ولاة الأمر وفقهم الله الذين أولوا هذه المسابقة المباركة جل اهتمامهم والدعم المادي السخي والمعنوي المستمر لاهتمام المملكة بكتاب الله الكريم فهو دستور هذه البلاد المباركة ومن أولوياتها نشر القرآن الكريم والعناية بحفظه وتفسيره وتجويده. إنه حقاً عرس إسلامي عالمي يستشرف لها المسلمون في أرجاء الأرض ليشاهدوا أبناءهم ممثلين لمعظم دول العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية يجتمعون في بلد الله الحرام ليتنافسوا في أشرف مجال ويتسابقوا على الفوز بالمراكز الأولى ليس لأمر من أمور الدنيا ولكن لترتيل وتجويد وتفسير القرآن الكريم ، مناسبات قلائل تلك التي يجتمع فيها أبناء العالم الإسلامي وتزداد روابطه وتتوثق عراه لتجسد التعاون المطلوب بين المسلمين وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه اللقاءات الإسلامية الخيرة التي تلتئم فيها الصفوف وتتوحد الكلمة وتلتف الجموع حول دستورنا العظيم القرآن الكريم نبراس هذه الأمة ومعجزتها ونورها وهداها وسر سعادتها وقد تكفل الله سبحانه وتعالى لمن قرأه وعمل به ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة والخير كله في تدبر القرآن وتعلمه وفهمه والعمل بما فيه وأهل القرآن العاملون به هم أهل الله وخاصته وهم خير أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه أيام مباركة من الشهر المُحرم يجتمع فيها هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى وخيراً كثيراً بأن شرفهم بحفظ كتابه والاعتزاز بأن يكونوا متميزين وماهرين متقنين لحفظه وضبطه ، هي لوحة مشرقة وصورة معبرة تنقلها وسائل الإعلام للعالم ليدركوا قيمة القرآن الكريم عند أهله ونفاسته وقدره بينهم ولهذه المسابقة أثر معنوي ملموس ولعل رصد مشاعر المسلمين في أكثر من دولة وتسجيل انطباعاتهم عن المسابقة وآثارها ستوضح ما يعنيه هذا الحدث. هذه اللوحة المشرقة من التآلف والتآخي بين أبناء العالم الإسلامي تحرص المملكة على إبرازها كل عام والتي تبعث السرور في نفوسنا جميعاً خاصة ونحن في هذا الوقت الذي أحوج ما نكون فيه إلى الاعتصام بحبل الله المتين والعودة إلى المنهج القويم لحياتنا . إن ما تقدمه المملكة من دعم واهتمام بهذه التظاهرة الإسلامية المباركة ممثلة في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية وحرصها على تشجيع الناشئة من الحفظة للالتحاق بها نابع من حرصها على التمسك بكتاب الله قولاً وعملاً وهي بذلك إنما تعبر عن الدور الرائد الذي تضطلع به في العالم الإسلامي واهتمامها بدعم ورعاية نشر كتاب الله الكريم وخدمة كل المسلمين وضمان تمسكهم بالقرآن الكريم وكأنما هي رسالة تذكير تتجدد كل عام بأهمية القرآن الكريم وأنه الرابط الأساس بين كل هذه الشعوب الإسلامية في شتى أقطار المعمورة واهتمام المملكة بالقرآن الكريم متواصل لا ينقطع فهذه الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم تنتشر في طول البلاد وعرضها ويلتحق بها أعداد كبيرة من أبناء الوطن والمقيمين على ثراه الطاهر يتخرج منهم كل عام الآلاف من الحفظة وما تحقق ذلك بعد توفيق الله إلا بجهود كبيرة ورعاية ملحوظة تعكس قدر العناية بهذه الجمعيات والحرص على نجاحها وتطويرها. ونشعر نحن أبناء هذا البلد المعطاء بقدر كبير من الفخر والاعتزاز على هذه الجهود المباركة وغير العادية التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) لإقامة هذه المسابقة سنوياً وليس ذلك بالأمر السهل فما نراه من فعاليات المسابقة إنما هو نتاج لجهود متواصلة وبرامج واستعدادات مكثفة في جميع المجالات المتعلقة بها وسخرت لها طاقات مادية وبشرية وتقنية كبيرة لضمان نجاحها وتحقيق الأهداف السامية للمسابقة وهي بحد ذاتها جزء من المجالات الكثيرة لنشر كتاب الله الكريم فالمسابقة ليست البرنامج الوحيد للعطاء وإنما هي حلقة مضيئة في سلسلة مباركة من الأعمال والإنجازات والمشاريع الخيرية المتعددة والممتدة في كل أرجاء المملكة وخارجها فهناك جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ومكاتب الدعوة والإرشاد ومكاتب دعوة الجاليات وإذاعة القرآن الكريم ونداء الإسلام ومحطتي تلفزيون القرآن الكريم والسنة النبوية إضافة إلى ما تقدمه الدولة رعاها الله من دعم مادي ومؤازرة معنوية للمراكز الإسلامية والجاليات المسلمة في العالم والعمل على خدمتهم ومد يد العون والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يتسع المجال لتعدادها وكل ذلك يصب في مصلحة خدمة ديننا الإسلامي الحنيف ونشراً لكتاب الله الكريم . وحرصاً على أن تشمل المسابقة أكبر عدد ممكن من الحفظة من أبناء المسلمين في العالم وإعطاء الفرصة للجميع وضماناً لعدم تكرار المشاركين فيها مرات سابقة فقد روعي في شروطها أن لا يكون قد سبق للمرشح المشاركة في المسابقة وبذلك يتحقق انتشارها وتجددها كل عام . والناظر بتأمل في هذه المسابقة يجد أنها تحقق أهدافاً عظيمة من أهمها أنها تعد تعريفاً إعلامياً كبيراً بالدين الإسلامي فمشاركة هذا العدد الكبير من الطلاب الحفظة من جميع دول العالم ونشرها عبر عدد من وسائل الإعلام والفضائيات يسهم في إيصال الرسالة الإسلامية للعالم وينقل صورة إيجابية وانطباعاً جيداً عن أهمية القرآن الكريم في حياة المسلم ومن أهدافها أنها تعد تشجيعاً وحافزاً للكثير من شباب المسلمين للجد والاجتهاد في تدارس كتاب الله وجودة إتقانه وفهم معانيه ليحظى بشرف زيارة بيت الله الحرام والمشاركة في المسابقة ولا شك أنها تمثل تتويجاً معنوياً للفائزين فيها وشهادة على تفوقهم وكفاءتهم في أشرف مجال وخير عمل وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين يقول ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ولا شك أن تطور المسابقة يزداد عاماً بعد آخر فبداية هذه المسابقة كانت عبر المسابقات المحلية لحفظ القرآن الكريم في المملكة حيث تطورت تلك المسابقات وتوسعت إلى أن طرحت فكرة إنشاء المسابقة الدولية ووافق عليها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ولا عجب فإن المملكة بقيادتها الرشيدة سباقة إلى الخير ورائدة في هذه الأعمال المباركة وتسعى لكل ما من شأنه تطويرها ورقيها نسأل المولى عز وجل أن يتحقق النفع لكل من شارك في المسابقة وأن تعم الفائدة منها العالم أجمع وأن يجزي القائمين عليها خير الجزاء.