وسائل الاتصال بين بني البشر متعددة منذ القدم ، وقد كان لكل قوم أسلوب معين يتم من خلاله تبادل المعلومات ، ورويداً رويداً ظهر فن الكتابة في تاريخ الأمم لتوثيق القوانين ، وتناقل الأفكار والأخبار ، ونقل علومها ومعارفها وتخليدها عبر العصور لتفصح عن فحواها بأنها أسمى سلوك بشري أفرزته الثقافات الاجتماعية ، حيث استعملت الألواح الطينية والحجرية لتناقل هذه المعلومات قبل أن يخترع الصينيون الورق في القرن الثاني للميلاد ، ومع مرور الزمن وظهور الخط العربي في ساحة الحياة غدا من أبرز الخطوط لأنه الخط الذي كُتب به القرآن الكريم ، فاكتسب بذلك أهمية بالغة ، وأصبح من أبرز الفنون الإسلامية ، واحتل مكانة سامقة في سلم الفنون التشكيلية ، وانتشر استخدامه بوصفه خطاً راقياً لكتابة السير الذاتية ، ونصوص القانون ، والعقود ، كما صُكَتْ به العملات المالية القديمة ، وكتبت به ديباجات رسائل الولاة والحكام... إلى غير ذلك من الاستخدامات الكتابية ، وقد تدرج الخط العربي في تطوره وتحسنه مع تعاقب الأزمنة حتى أصبح من الفنون الصعبة التي هي بحاجة شديدة إلى المهارة الفائقة ، والموهبة ، والدراسة والتحصيل ، والممارسة والتدريب المستمر ، وكل ذلك يمكِن الإلمام به إذا وجِد المدرب المتمكن الماهر الذي يستطيع أن يُدْخِل حب تَعلُمه في قلوب متعلميه ، وقد كان في الأزمنة الماضية يفتخر الكتاب بعلاقتهم الخاصة بالقلم ، وكان كل منهم يعتز باستخدام نوع معين من الأقلام يرتاح إليه ويساعده على خروج الأفكار من رأسه إلى الورق ، حيث يكون لصوت احتكاك سن القلم بالورق خلفية إيقاعية موسيقية تساعده على استمرار تدفق الإبداع ، فالكتابة اليدوية لسان اليد وبهجة الضمير وهوية المتعلم ، إلا أنه مع التطور التكنولوجي السريع الذي غزا كل أمور حياتنا اليومية أصبح للحاسب أهمية بالغه في عالم الكتابة ، وأصبح القلم مهجوراً ، ولم يعد أحد يستخدمه إلا قله قليله من الرعيل الأول حيث إن الكتابة اليدوية لديهم هي الطريقة المفضلة للتعبير عن أفكارهم وتبادل المعلومات مع غيرهم ، وبهذه الخطوة الحضارية فقد خط اليد ما هيته ، وأصبحت الكتابة اليدوية ركيكة ، وبالأخص عند الجيل الناشئ الذي غدا يعتمد اعتماداً كلياً على الحاسب الآلي في كل أعماله الكتابية وغيرها ، ولا يستطيع الاستغناء عنه ، وبذلك انتصرت لوحة المفاتيح للحاسب الآلي على خط القلم في زمن أصبحنا نستسلم فيه لكل جديد دون النظر لسلبياته التي ستلاحقنا في المستقبل ، وما سيترتب عليها من ضمور لهويتنا العربية التي يجب أن نحافظ عليها ، ونجعلها المسيطرة دون غيرها على غيرها ، فهل من صحوة تُعيد تفعيل كتابة الخط اليدوي من خلال إعادة النظر بتدريس مادة الخط العربي ، وكراريس الخط المنهجية بالمنشآت التعليمية ، وإقامة الدورات التدريبية والمسابقات التي تظهر روعة الخط اليدوي ، بالإضافة إلى إقامة المعارض والمهرجانات التي تهدف إلى التعريف بالخط العربي لكي لا يأتي اليوم الذي نجد فيه أن الأيادي قد أصبحت تجهل كتابة لغتنا التي فضلها الرحمن وجعلها لغة أهل الجنة ، ولغة القرآن الكريم. الخط يبقى زماناً بعد كاتبه وصاحب الخط تحت الأرض مدفون. ومن أصدق من الله قيلاً (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ).