عمارة الكون هدف من أهداف وجود الإنسان في هذه الحياة ، والعمارة ليس المقصود منها فقط التطاول في البنيان ، أو الخوض في علوم التقدم ... إلى غير ذلك من العلوم الدنيوية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) بل القصد من ذلك بمعناه الحقيقي التفقه والتبصر في أمور الدين ونمائه في داخل الإنسان حتى يغدو عالماً من علماء هذه الدنيا يقيم حياة الناس على التوازن الصحيح ، فالعلماء هم الذين يضيئون دروب الحياة بما أكرمهم الله من علوم دينية ليست عند غيرهم فوجودهم خير عظيم لبني البشر ، فهم شموسٌ ساطعة ، وكواكب لامعة ، ونجوم يهتدى بهم في الظلماء ، ومعالم يقتدى بهم في البيداء ، اختارهم الله من بين خلقه ليكونوا ميراث الأنبياء ، فمن اتبعهم سلك سبل النجاة وأرشدوه لطريق الأمان ، فبهم تصلح العباد ، وتستقيم البلاد ، وتستبين سبل الرشاد ، وتحقّق مصالح العباد في المعاش والمعاد ، ولكن سنة المولى في هذه الحياة تنص على أن لكل إنسان عمراً محدوداً يعيشه في هذه الدنيا الفانية ثم يرحل عنها (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) فقبض أرواح العلماء خسارة كبيرة لهذه الأمة ، ، فبموت العلماء سيقل العلم الديني كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن الله لاينزع العلم من الناس بعد أن يعطيهم إياه ، ولكن يذهب مع العلماء ، كلما ذهب عالم ذهب ما معه من العلم حتى يبقى ما لا يعلم ، فيتخذ الناس رؤساء جهالاً فيستفتوا ويفتوا بغير علم ، فيضلوا ويضلوا) ففي هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على أن الناس بعدهم يبحثون عمن يعلمهم العلم فلا يجدون إلا أهل البدع ، ومن ليسوا له بأهل , وبالتالي يبدأ الجهل بالانتشار ، ويصبح الاسلام غريباً ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) ، فإن من حسن العزاء لهؤلاء العلماء رحمهم الله أنهم باقون بذكرهم أحياء بعلمهم ، يلهج الناس بالثناء عليهم والدعاء لهم ، ويجتهدون في اقتفاء آثارهم ، وترسم خطاهم ، علماً وعملاً ، ودعوة ومنهاجاً . دعاء: اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم ، وأنزل السكينة في قلوبنا حتى نبصر المعالم فلا نتعثر ، وهبنا من فضلك وعنايتك حتى تقوي سواعدنا على حمل الأمانة ، وارزقنا اخلاصاً في العمل ، وصبراً على وعورة الطريق ، واجعلنا في مرضاتك على كل حال .