الشعب السوري في خطر، بل في خطر يتزايد يوماً بعد يوم، وحتى لا يتهمني القارىء بالتشاؤم، وحتى لا أتركه في حيرة وقلق، سأعرض له بايجاز الاسباب والحلول، اما الاسباب فأولها نزيف الدماء في كل مكان، حمص، حماه، درعا، دمشق، اللاذقية وغيرها من المدن السورية الغالية، ثانيهما، تصفيق روسيا للقاتل وذلك برفع صوتها في المجالات الدولية والاقليمية بحجة سيادة الدولة، وثالثهما التي تبرز ملامح الخطر، نهج النفاق وطابور المنافقين مثل ايران ولبنان والجزائر. ما الذي يجري على امتداد المسرح السوري من جرائم ضد الانسانية، سؤال يفرض نفسه علينا جميعاً بعد أن صدمتنا ظاهرة اشتعال عدوى حرب الابادة من روسيا الى دمشق تحت قناع مراوغ يستهدف اخفاء النيات والمقاصد الحقيقية لكل من وسيا والنظام السوري في استمرار ارباك الشعب السوري ومحاولة شل قدرته على توحيد صفوفه وحشد طاقاته للتخلص من حكم الجزار والجزارين في دمشق. ان ما يربط النظام السوري وروسيا هو الخيط الرفيع.. اقول ذلك وفي مخيلتي حدث بارز يعكس بوضوح مدى اتساع مساحة التأييد الروسي وهو يصفق للجاني في دمشق الذي يهدر دم الشعب السوري في كل مدن سوريا بل ويشجعه على كل المستويات. لقد رأينا كما يروي التاريخ كيف تعاملت روسيا مع قضية الشيشان، فرأينا جيشاً ضد شعب، لقد نجحت القوات الروسية في تدمير اكبر مدن الشيشان وقتلت الآلاف من المواطنين الشيشانيين، كما قتلت اللاجئين من القصف الجوي حيث بلغ عدد القتلى اكثر من 500 ألف لاجىء كانوا يعيشون في العراء أو الخيام. وما اشبه الليلة بالبارحة.. فالتاريخ يعيد نفسه.. فنرى روسيا في ضوء تجربتها مع الشعب الشيشاني تكررها اليوم في سوريا بانها تصفق للجاني مرتكب الجرائم ضد الانسانية وتشجعه وتعطيه الضوء الاخضر للاستمرار في جرائمه المرهبة ضد الشعب السوري وكذلك القيام بتمويله بالاسلحة والعتاد، والقيام نيابة عن الجاني بالدفاع عنه في مجلس الامن باستخدام (الفيتو) لمنع صدور قرار دولي يدين نظام الاسد ويدينه بارتكاب جرائم ضد الانسانية، ثم استخدام الوقوف في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار تأييد الورقة العربية ومعه الصين وكوبا وايران. ان روسيا تزعم ان قضية الشيشان هي في نهاية الأمر مسألة داخلية، ويجب على دول العالم الا تتدخل فيها، وتهدد باستخدام الفيتو لو نوقشت القضية في مجلس الامن الدولي، وهذا الأسلوب الروسي هو الذي استخدمته روسيا مع قضية الشعب السوري وحرب الابادة التي ترتكب ضده ليل نهار في مجلس الأمن واستخدمت حق (الفيتو) فقتلت كل المحاولات الدولية لاستصدار قرار ادانة ضد النظام السوري، ثم موقفها المخزي في الجمعية العامة معارضة استصدار قرار ضد نظام الاسد، ومع كل هذه الخطوات كانت روسيا ولاتزال تصفق لنظام الاسد. والحقيقة ان ما شاهدناه وشاهده المجتمع الانساني الدولي من المراوغات الروسية ومعاييرها المزدوجة سواء في الحالة الشيشانية أو الحالة السورية يربط بينهما خيط رفيع لا يصعب على أي محلل سياسي تجاهله وأعني به خيط الرغبة المتقاطعة بين موسكوودمشق في استمرار ارتكاب جرائم ضد الانسانية لكي تظل روسيا ظاهرة وبادية في منطقة الشرق الأوسط تحت اشد هواجس القلق من قبل الدول المحبة للسلام والداعمة للشعب السوري وحمايته من خطورة الجزار والجزارين. ان روسيا وهي تقوم باتباع اسلوب المراوغة وتنفيذ المعايير المزدوجة تحاول في دخول السباق في شكل اعادة استنساخ نظريات ملء الفراغ القديم التي ابتدعتها وزير خارجية امريكا الاسبق جون فوستر دالاس في الخمسينات من القرن الماضي. ان اتباع هذا الاسلوب من قبل روسيا في الحالة السورية معناه انتحار للسياسة الروسية في العالم العربي، لان الامة العربية رفضت المواقف الروسية الاخيرة في مجلس الامن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة شكلاً وموضوعاً، ان هذا يكفي فلقد بلغت الرسالة الى قادة روسيا الذين بدأوا يحاولون كما يقولون للاتصال بمجلس التعاون الخليجي لشرح موقفهم من الحالة السورية، وخطب ود العرب من محاولة حضور مؤتمر تونس المقبل. وفي اطار ما سبق فانه يبدو أن روسيا تبذل الجهود لتنسيق مشترك بينها وبين نظام الاسد هو الذي يقف وراء المشاهد الغريبة والمتناقضة التي تشهدها الأمة العربية من قبل روسيا في العالم العربي، ولكنني استطيع ان أجزم لو اتيح لهما ان يتفقا على تقسيم الكعكة الاقليمية لما ترددوا لحظة واحدة خصوصاً ان (سيادة الدولة) خط احمر وهي المكون الرئيسي لبناء مكيافيلية سياسية روسية وأسدية باسم (سيادة الدولة) قبل اي شيء وبعد اي شيء وحيث لا مكان ساعتها لحقوق البشر ويجب اخضاعها ولو بالقتل.. والتصفيق للقاتل او الجاني. ويخطىء الممسكون بدقة الحكم في موسكوودمشق اذا توهموا ان منهج ارتكاب جرائم ضد الانسانية بحجة (سيادة الدولة) لانها امور داخلية، يمكن ان يخدع احداِ طوال الوقت خصوصاً لدول مجلس التعاون الخليجي التي لديها حاسة استشعار دقيقة تفرز الغث من السمين وتأخذ بكل اسباب الحيطة والحذر في تعاملها مع الذين يقولون الشيء ونقيضه بالمخالفة لكل قواعد العلاقات الدولية التي تعتبر فيها ارتكاب جرائم قتل ضد الانسانية والتصفيق للجاني او القاتل بحجة مبدأ (سيادة الدولة) بأنها محظورات ومحرمات يجب ان يعرفها ويعيبها النظامان الروسي والسوري. لذلك وبكل اختصار وموضوعية فان مسألة الخيط الرفيع كما تدل على مراحلها ويشهد بها التاريخ، والتاريخ لا يكذب، ليست مجرد خيال مسموح به في التحليل السياسي، وانما هي اقرب الى الواقع.. ولعل مواقف الدول العربية في المجال الدبلوماسي في اروقة الاممالمتحدة قد حملت في ثناياها ما هو اكبر وأهم وأوسع من التحركات الروسية دولياً التي تصفق للجاني (الجزار) لانها تعلن رفض الاسلوب الروسي، وتؤكد بكل الوضوح ان الدول العربية لا توافق على ربط مبدأ ان المسألة مسألة داخلية لا يحق لأي دولة التدخل فيها. وفي النهاية .. وباختصار، روسيا قد لا تكون صديقاً او ملاكاً لكن يجب الا تصفق للقاتل لشعبه، اما اذا تمسكت بمواقفها الحالية التي تشجع النظام السوري بارتاكاب مذابح وجرائم ضد الشعب السوري فستكون عدواً وشيطاناً مريدا .