الإبادة واحدة.. لكن الموقف الدولي إزاء مرتكبيها ليس واحدًا، فقد انحازت روسيا إلى جانب مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية أكثر من مرة، فهي قد انحازت إلى حرب إبادة، شنها الصرب ضد سراييفو ومسلمي البوسنة، بدعم مباشر من ميلوسيفيتش، ثم انحازت مجددًا إلى جانب حرب إبادة ضد مسلمي كوسوفو شنها ميلوسيفيتش نفسه أيضًا، وها هي تنحاز إلى جانب حرب إبادة يشنها نظام بشار الأسد ضد شعبه في حمص وحماة وإدلب ودرعا وفي كافة أرجاء سوريا. في حروب ميلوسيفيتش ضد مسلمي البوسنة وكوسوفو خسر الروس مرتين، فقد خسروا الحرب بسقوط ميلوسيفيتش ذاته، وخسروا الأخلاق بانحيازهم إلى جانب القاتل ضد القتيل، وهم بانحيازهم إلى جانب مجازر الأسد في سوريا سوف يخسرون كذلك، ولن يعفيهم من المسؤولية عما يحدث، مزاعم وادعاءات واتهامات يروجونها ضد من وقفوا إلى جانب شعب أعزل، يجري قتل زهرة شبابه، وسبى نسائه، و التمثيل بجثث أطفاله. أين ميلوسيفيتش الآن؟! وأين كرادجيتش جزار البوسنة؟! لقد ذهبوا إلى محكمة لاهاي، بعدما ألقت بهم الشعوب في مزابل التاريخ، لكن أحدًا في موسكو لم يستوعب الدرس حتى الآن، ومازال الكرملين يفتش عن طغاة يمنحهم حمايته،فيما تحتشد الأسرة الدولية لتكريس قيم حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها. انحيازات موسكو في الداخل الروسي، هي من تقرر انحيازاتها في الخارج أيضًا، وكلنا نذكر كيف قام بوريس يلتسين ومن بعده فلاديمير بوتين، بمجازر حقيقية ضد الشيشان، جرى خلالها تدمير جروزني وقتل وتعذيب وتشريد شعبها،فيما وقف العالم متفرجا عاجزا عن منع المذبحة وإنقاذ الضحايا. أشباح الضحايا في جروزني تلاحق صناع القرار في الكرملين، وهم في تعاملهم مع الملف السوري، يدركون أن دعم خيارات الشعب السوري سوف يستوجب بالضرورة احترام خيارات الشعب الشيشاني، وأن الوقوف إلى جانب جزار حمص سوف يدعم خيارات تصفوية قمعية روسية ضد بعض شعوب روسيا المطالبة بالحد الأدنى من حقوق الإنسان. وللمفارقة، فقد تحدثت مصادر روسية وهي بصدد مناقشة احتمالات تطور الموقف في سوريا في غير صالح نظام الأسد عن الحاجة إلى خطط لإجلاء نحو مائة ألف سوري من أصول «جركسية» - شيشانية في الغالب- كانوا قد هربوا إلى سوريا قبل أكثر من مائة عام تحت وطأة حملات تطهير عرقي روسية.. فهل سيجد الجراكسة الهاربين من جحيم الثورة ضد الأسد، الأمان في بلاد هربوا منها تحت وطأة الاضطهاد، ومازالت تتبعه كسياسة منهجية ضد الشيشان حتى الآن؟!