لقد نادى القرآن الكريم الناس قاطبة ان يتعاونوا ويتعارفوا قال تعالى : «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير» (الحجرات : 12). من هذه الدعوة الالهية للبشرية جاءت دعوة المجموعة العربية بتقديم برنامج لانقاذ الشعب السوري بمطالبة المجتمع الانساني من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ان يسارعوا لنجدة اخوانهم الشعب السوري المظلوم ورفع الظلم عنهم بأن يهبوا لنصرتهم ومساعدة في حاجتهم، حتى تتوحد الكلمة والصفوف في المجتمع الإنساني في مواجهة اعداء البشرية المتواجدة في دمشق. ان ما حدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاسبوع الماضي من تحويل مناقشة الكارثة الانسانية التي يواجهها الشعب السوري على يد النظام السوري والتي جاءت واضحة في الورقة العربية المقدمة للجمعية العامة والتي تطالب بادانة التصرف السوري الظالم ضد شعبه وحصول المشروع العربي المطالب بادانة النظام السوري باغلبية ساحقة حيث ايدته (137) دولة واصدار قرارها والذي اطلقت عليه شخصياً قرار (الاتحاد من اجل الانسانية) واعترضت عليه اقلية عددها (12) وعلى رأسها روسيا والصين وايران وكوبا وفنزويلا وامتنعت عن التصويت (17) دولة من بينها الجزائر ولبنان. لذلك عندما وقع اختياري عنوان لاعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بانه اجتماع من اجل الاتحاد من أجل الانسانية كان التوصيف يتطابق من واقع الحقيقة، وانه لولا تحرك المجموعة العربية واصدقائها في المنظمة الدولية لكان الختام للجلسة شيئاً يماثل ما حدث في مجلس الامن حيث استخدمت روسيا والصين حق (الفيتو) وقتلت بذلك امكانية اصدار قرار دولي من مجلس الامن يدين النظام السوري. كان الاسبوع الذي انعقدت فيه الجمعية العامة جلساتها من الايام الساخنة في حركة التفاعلات الدولية.. وكانت هذه التفاعلات في منظورها العام، تتمحور حول تحديات النظام السوري الديكاتور للانسانية والخروج على المواثيق الدولية مما يهدد الانسانية، أساس السلم والامن الدولي، كانت المناقشات هامة ولصالح الشعب السوري مما اكد ان ادارة الازمات كما ادارتها المجموعة العربية ، منهج علمي حديث بل انه اصبح علماً قائماً بذاته وما احوج كل من روسيا والصين تكريسه في ادارة دبلوماسيتها والتدريب عليه بدلاً من رفع كرت (الفيتو) لان ذلك لا يخدم الانسانية التي نص عليها الميثاق الدولي في ديباجته. لقد حققت الدبلوماسية العربية ما جاء به القرآن الكريم في الآية الكريمة التي سبق ذكرها في بداية المقال مما مهد الى بلورتها في عدة نجاحات ونتائج ظهرت ملامحها بوضوح قبل ساعات من استصدار قرار الجمعية العامة الذي ندد بسياسات النظام السوري الطاغي.. ولعل قدرتها استطاعت على وضع النظام السوري في موقف المتهم لسياسته ضد البشرية وهنأ الشعب السوري المناضل برغم من تصويت روسيا والصين ضد قرار الجمعية العامة. اما انعكاسات هذا التأثير الظاهرة للمجموعة العربية فلقد اتضحت في كلمات رؤساء الوفود التي جاء فيها وهي موجهة الى النظام السوري الاستبدادي الجزار بأن حقوق الانسان امنية شعوبها واملها.. يجب الالتزام بها في اطار العدالة والشرعية الدولية والمساواة ورفض استخدام العنف وقتل الابرياء.. وان حماية حقوق الانسان نور يسطع ويجب ان تسطع انوارها كاملة في أنحاء الكون الفسيح. وتمضي الكلمات القوية المجلجلة للوفود لتؤكد انه لا يستطيع احد انكار خطورة السماح للنظام السوري الجائر الحصول على تميز سياسي وامني يتيح له ممارسة التهديد والقتل لابناء الامة السورية، وهذا ما اعطى استخدام روسيا والصين لحق (الفيتو) في مجلس الامن الضوء الأخضر للنظام السوري في الاستمرار في ارتكاب جرائم ضد الانسانية. من هذا المنطلق جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة واضحاً جلياً ايماناً بحرص اعضائها على ضرورة ادانة الممارسات السورية الكارثية، ونقد كامل للمزايدات او المغامرات التي تقوم بها بعض الدول لتشجيع النظام السوري في الاستمرار في ارتكاب جرائمه واخص روسيا والصين التي ادت وتؤدي الى الانقضاض على الشعب السوري بقتله وجرحه وتشريده. كل هذه الحقائق والنتائج لقرار الجمعية العامة تسير في خط متوازٍ مع التأكيد على عمق ايمان الدول العربية وشعوبها في العناية بالانسان وحمايته وهي المنصوص عليها في اهداف ومبادىء الميثاق الاممي. وهذا يكفي لتقدير حجم النجاح والثقة الذي تمثل في المظاهرة العالمية التي تعاملت مع الحاضر باستيعاب حقيقي لمأساة الشعب السوري وحجم الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضده وتأثيرها على مسيرة واستقرار المجتمع السوري الذي يعاني لمدة عام أو يزيد من كثرة جرائم النظام السوري التي يرتكبها ليل نهار. لذلك استند هذا الموقف الدولي المشرف الى ما حدده الميثاق الدولي في مادته (11) بالنسبة لاختصاص الجمعية العامة للأمم المتحدة اذ نصت الفقرة (2) من المادة (11) من الميثاق على انه (للجمعية العامة أن تناقش اية مسألة يكون لها صلة بحفظ الأمن والسلم الدولي، يرفعها اليها اي عضو من اعضاء الاممالمتحدة، أو اي دولة ليست عضواً من اعضائها ولكنها مراقب. ويلاحظ على هذا النص انه قد اعطى للجمعية العامة قطاعاً معيناً من نشاط الاممالمتحدة الذي يدخل في اطار الاختصاص الشامل للجمعية العامة وهو النشاط الخاص بالتعاون الانساني الذي يهدف الى حماية البشر. وهذا المفهوم القانوني هو ما حدا بالجمعية العامة في اصدار قرارها في الاسبوع الماضي الذي قصد منه دعم نضال الشعب السوري وادانة النظام السوري لارتكابه جرائم ضد الانسانية التي قررتها المواثيق الدولية. ان مناقشات الجمعية العامة التي دارت حول ادانة النظام السوري بارتكابه جرائم ضد الانسانية والمستمرة بعنف والتي سرت رعشتها في شرايين الانسانية جمعاء احتشد لها سفراء الدول الاعضاء بالاممالمتحدة، يعربون عن الاستياء والقلق، وضرورة الموافقة على المشروع العربي. لقد حذرت الوفود في كلماتها من ان الانسانية التي اشار اليها وساهم فيها الميثاق الاممي تتعرض برمتها حالياً لسياسات قمع جائرة من قبل النظام السوري، وبذلك اكدت الدول بان الايمان بالمحافظة على حقوق الشعب السوري هو ايمان ثابت وراسخ لا يتزعزع وقد اكدت الدبلوماسية الدولية بصورة واضحة وجلية وقوية بانها اختارت مساندة الشعب السوري في تحريره من النظام المجرم. ان اصدار قرار الجمعية العامة الذي حصل على (137) صوتاً فانه ترجمة دولية قوية لاستنكار المجتمع الانساني لجرائم النظام السوري ويدينها كما اكد القرار ان حماية الانسانية في سوريا ستنجح اذا توافرت النيات الحسنة بعيداً عن ازدواجية المعايير .