زارني الصديق المؤرخ فائز بن موسى البدراني قبل أيام فرطت محتقبا كالعادة مجموعة من جهوده الأخيرة وعندما أقول المؤرخ فإن هذا الرجل قد أثبت من ذي سنوات مجال نشاطه بغض النظر عن المقاربة أو الموافقة تماماً لكنه صرف جزءاً مهماً من حياته في سبيل هذا المنحى ومن ثم استحق مني على الأقل هذا التأييد قد يكون له رأي غير هذا ولكني اتحدث عما استقر في الذهن .. اما الأعمال التي أهداني إياها هذه المرة فهي (رواية المسنين وأخبار المعمرين ، وقصص وأشعار من قبيلة حرب ، وأحديات والقاب من قبيلة حَرب ، والقسم الرابع من وثائق وادي الفرع وكذلك كشافات هذه الوثائق في منطقة المدينةالمنورة) والذي رأيت أن اتحدث عنه أولاً هو العمل الأول وذلك راجع إلى طرافة ما احتواه من التذكر والذهاب بك بعيداً إلى الوراء كذلك حكمة ما في هذا الزمن من العبر والمواجهة ، والحقيقة ان المتصفح لهذا الجهد سيتأثر خاصة من عايشوا بعضاً من آبائهم واجدادهم ومن عرفوه ممن يروون له عن حياتهم وتنقلاتهم ولست بعيداً عن هؤلاء فقد عايشت بعضا من الآباء الذين يحفظون تاريخهم ويتناقلون مرويات اسلافهم منذ القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من الهجرة والمتاعب التي عانوها وما خبروه وحذقوا طعمه ، والذي يظن ان المعمرين يجهلون سنين أعمارهم ليس صحيحاً لأنهم كانوا يؤرخون بأحداث مترابطة .. كأن يقولون فلان ولد في سنة موقعة كذا ونحن في سنة كذا ففلان أو فلانة لها أوله من السنوات ما هذا عده صحيح ان التحبير أو الكتابة لها شأنها من التوثيق ولكن لا يمكن ان ننسى صفاء الذهنية وخبرية الحضور ، وعمل فايز البدراني اشبه ما يكون بالسياحة المشوقة حيث اطلع على ما في المتون والمصادر المتوارثة التي لا يمكن مخالفتها بالسهولة فمن أخبار المعمرين في التاريخ الإسلامي بمراحله إلى ما رصدته موسوعة (غينيس) وقياس الأعمار هبوطاً إلى ما تناقلته الصحافة السعودية 1420-1430ه مع ما ارتآه من التعقيب حسب رؤيته كذلك ما كتب عن معمري الدول المبتدئة من سنة 2001 - 2010م كذلك أخبار المعمرين في العالم العربي حسب ما أتيح للمطلع وكان خلاصته من التجريب في هذا الشأن هو مواقفه الخاصة مع نفر من المعمرين الذين كان يشك فيما يقال عن سنين أعمارهم .. ومن هذا المنطلق كان متحاوراً مع قطاع من الشرائح الذين ربما كان لهم حضورهم اثناء توحيد البلاد أي ما قبل سنة 1344ه وقد أشار إلى ذلك في الهامش حتى وإن كان مقتضباً إلى حد ما الا انه قد أخذ بيد المتابع وأراه بالدليل ومع ظني ان الباحثين أو قل أكثرهم قد ركنوا إلى الراحة وأخذوا ينسخون من بعضهم ، بقي ان اقول إن هذا الصديق لم يمل الترحال وان ما يرصده جدير بالقراءة وانه قد سبق العديد ممن يعتقدون ان اجازة الجامعة كافية ليكونوا مؤرخين فكم من النساخ لدينا ممن يحتجون بالأكاديمية ويدلدلون أرجلهم في كل قاعة وهم في الحقيقة لا يعلمون ما في مضامين بلدانهم الخاصة قبل البعيدة فمن ذا الذي شحذ فيه الهمة ليصرف باكورة عمره في هذا النهج المؤثر ، قد أكون متعاطفا بعض الشيء ولكن ماذا تفعل فيما بين يديك من الايضاح إن التلميح الذي يشير إليه فايز البدراني بعيدا عن المكانية أو القبيلية جدير بالاهتمام من قبل مراكز البحث لدينا حيث ان هناك ما يشبه النقص في تسلسل المادة التاريخية أو لعله الوقوف عند رواية بعينها ومن ثم التكرار والاعادة وكأن الشرائح لا دخل لها في المادة الرئيسية لهذه الأسباب مجتمعة تجد البعض ينقل عن الرحالة والوافدين والذين يستخبرون من خارج الوطن مثلما ترجم من أعمال عبدالله فلبي على سبيل المثال ومن هنا عزف اكثر المهتمين عن متابعة هذه المادة لانها اصبحت مجرد نقول ونقول لا تؤيدها شواهد الأمكنة فياحبذا لو أعيد النظر من خلال استحضار ما رواه المعمرون كما فعل أخي المؤرخ فايز البدراني الحربي ومن هنا أدعو القراء إلى اقتناء عمله هذا ففيه ما فيه من التنبيه والمتعة ، قال أخو مذحج مما شعر: من رأى بلقيس في هيكلها والقواير وعرشا من فتنْ!! وسماوات من الطير متى كان هذا كان مما لم يكنْ!! من رأى الجن وتاجا عريت عنده الشمس ولم تبرح ولنْ!! ضفروا غرة مجد باذخٍ وحواريون من سحر اليمن!!