نتقد الباحث في التاريخ فايز بن موسى البدراني مصداقية ما يروى ويشاع عن الأعمار والمعمرين في تراثنا الثقافي قديما وحديثا، وأكد الباحث من خلال مناقشته عددا من الروايات، والمقارنة كذلك بين ما يشاع عن الأعمار والمعمرين وبين حقيقة الأعمار والمعمرين في الدول المتقدمة علميا وصحيا عن طريق مراجعة السجلات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية على وجود مبالغة في أقوال الإخباريين والمسنين الذين لا يتورعون عن الزعم بأن أعمارهم قد تصل إلى 180 عاما، في حين أنه لم يبلغ أحد ال120 عاما في الدول المتقدمة خلال الألفي سنة الأخيرة على الأقل رغم تفوقهم علينا في متوسط الأعمار المتوقعة. ويكشف البدراني في دراسته التي ضمنها كتابه الصادر حديثا "روايات المسنين وأخبار المعمرين.. سلطة الرواية وغياب الإثبات" عن ضعف المصداقية المعلوماتية التي يقدمها كبار السن من العوام للأجيال والتي تشير إلى المبالغة في تقدير أعمار كبار السن لدينا، ومدى تجذرها وانتشارها في فكرنا الاجتماعي غير المستنير، وتأثر الأبناء بتلك المعلومات. ويشير البدراني إلى أن المتمعن في تاريخنا العربي يلحظ ضعف المنهجية التاريخية التي تقوم عليها رواية الأخبار والمعلومات، وغياب مبدأ التحقق من المعلومة التاريخية سواء كانت مكتوبة أو مسموعة، إذ إن السمة الغالبة والمشتركة بين أفراد المجتمع العربي هي الإذعان لما كتبه المؤرخ أو قاله الراوي. ويؤكد أنه من خلال تعامله مع المعمرين من الرواة على مدى ثلاثة عقود تبين عدم صحة المعلومات التي تشاع عن أعمار المسنين، مما دفعه لمراجعة ما كتب عن المعمرين في التراث الأدبي والتاريخي ليكتشف التشابه الكبير بين مبالغة الأولين والمتأخرين في هذا الموضوع. ولم ينج تاريخنا الإسلامي - بحسب البدراني - من تلك المبالغات من الأخبار والروايات المتعلقة بذوي الأعمار الطويلة، حيث لوحظ اهتمام العلماء المتقدمين ومنهم الإمام أبوحاتم سهل بن محمد السجستاني (توفي عام 235 ه) صاحب كتاب "المعمرين" حيث بلغ حجم من ترجم لهم 112 معمرا، وكذلك ما أورده الثعالبي (توفي عام 429 ه) في كتابه "لطائف المعارف" تحت عنوان: اتفاق الأعمار. ويصل فايز البدراني في دراسته إلى عدد من الاستنتاجات من بينها أن المعلومات الواردة عن أخبار المعمرين في الجاهلية والإسلام ليست إلا روايات غير محققة، وليس الطعن في عدم دقتها - كما يرى الباحث - طعنا في أمانة العلماء إلا أن الضعف يدخلها من عدة وجوه من أهمها عدم تحديد تواريخ المولد والوفاة بشكل دقيق، وأنها في الغالب تقوم على الحدس والتخمين وليست محل اتفاق الرواة وأصحاب التراجم، إضافة إلى أن غالبها مستوحاة من شعر أصحابها، مستثنيا ما ورد فيه نص قرآني أو حديث نبوي. ويخلص البدراني إلى أن الدراسات العلمية والتاريخية للأعمار تؤكد أن المعلومات التي تشاع في وسائل إعلامنا وفي مجالسنا عن وجود معمرين محليين تتجاوز أعمارهم حاجز ال100 سنة لا تستند على حقائق علمية، أما إذا بلغت 120 سنة وأكثر فلا تصح عقلا ولا نقلا. ويعد التاريخ العربي المعاصر امتدادا للتراث الأدبي العربي وللتاريخ الإسلامي، مما يؤكد أن المبالغة في أخبار المعمرين ذات أصل قديم في تاريخنا، وهو ما رسخ فكرة الأعمار الطويلة، وجعل كثيرا من الناس في مجتمعنا يميلون إلى تصديق ما يشاع عن أخبار المعمرين المعاصرين، وجعل من الصعوبة إقناعهم بضرورة مراجعة ما يقال عن الأعمار. وتضمن كتاب "روايات المسنين وأخبار المعمرين" الذي يقع في 234 صفحة 8 فصول بدأها الباحث بوقفة مع أخبار المعمرين في تاريخنا الإسلامي ومتوسط الأعمار، حقائق علمية وطبية، والأعمار القياسية في موسوعة جينيس العالمية، وأخبار المعمرين في إعلام الدول المتقدمة، وأخبار المعمرين في الدول غير المتقدمة، وأخبار المعمرين في العالم العربي خلال عشر سنوات، ومواقف شخصية.