ليس بمقدور من يتمعن سيرة هذا الرجل إلا أن يذرف الدموع ويجتر العبرات حزناً على ما أصابه طوال فترة حياته التي امتدت (52) عاماً من مآسٍ وأوجاع وآلام ، ابتداء من طفولته البائسة وانتهاء بمرضه الذي عزله عن المجتمع في وقت مبكر من حياته حتى توفاه الله. ففي بلدة مرات من إقليم الوشم بنجد عاش طفولته المبكرة المتشحة بالحزن حيث توفيت والدته وهو في سن اليراع وبفقدها ارتحلت عنه حياة الهناء والسرور، وأنا أجزم أن معاناة الشاعر بدأت في هذه المرحلة وانعكست سلباً على مجرى حياته، لفقده والدته التي هي بالنسبة إليه منبع الأمن والحنان في وقت هو فى أشد الحاجة إليها مما جعله يخطو على طريق الحياة بسير متعثر ونظرة سوداوية وقلب مكلوم وهذا ما يظهر للمتأمل في قصائده المشحونة بالحزن والاكتئاب والابتئاس والتشاؤم ، على أن ما أوقد مشعل ذلك إحساسه المرهف بحيث كان قابلاً للتفاعل مع ما تلقي به الحياة في طريقه ، فأرهقه تعاقب الآلام ، وتعاور المصائب ، وتكاثر الرزايا، فاعترضته أمراض نفسية كان للوهم والوسوسة منها أوفر نصيب ، وكانت البداية الفعلية لمرض هذا الشاعر عام1380ه وامتدت مدة تقترب من ثلاثين عاماً ذاق فيها رحمه الله آلاماً نفسية مبرحة جراء إصابته بانفصام حاد في الشخصية فانقطعت به الطريق وتوقفت شاعريته الفذة عن التدفق وظل متنقلاً بين المستشفيات والمصحات النفسية داخل المملكة وخارجها. ويحصر النقاد والمتابعون لشعره قوله الشعر في الفترة من عام 1372ه - وحتى عام 1382ه ورغم التقارب الزمني لهذه الفترة التي تمتد حوالي عشر سنوات أوتزيد قليلاً إلا أن معظم قصائده تتسم بالقوة والنضج وصدق التعبير بل حدا ببعضهم إلى مقارنة شعره بأشعار أبي العلاء المعري وأبي القاسم الشابي ، وفهد العسكر رحمهم الله جميعاً. ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمان على وفاته إلا أن له حضوراً قوياً في الأوساط الأدبية ويدلل على ذلك كثرة ما الف عنه من مقالات وكتب قد يكون اخرها رسالة ماجستير سجلت في كلية اللغة العربية بالرياض التابعة لجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية عام 1424ه وعنوانها(حمد الحجي شاعراً) للباحث خالد الدخيل وقد نشرت في كتاب يحمل عنوان ( حمد الحجي شاعر الآلام) أما شعره فقد جمعه محمد الشدي في ديوان اطلق عليه (عذاب السنين) قيل إنه هو الذي اقترح هذا الاسم ولم يتمكن من نشره لمرضه. أما عن حياته قبل عزلته واشتداد المرض عليه فكانت حياة طبيعية بل بدأ حياة جادة في طلب العلم حيث أكمل دراسته الابتدائية في بلدته وانتقل للرياض حيث التحق بمعهدها العلمي عام 1372ه ودرس فيه مرحلتي المتوسط والثانوي ثم التحق بكلية الشريعة ودرس فيها سنتين قبل أن ينتقل إلى كلية اللغة العربية لكنه لم يستطع اكمال دراسته بسبب ضغوط الآلام النفسية التي مازجته ولازمت هواجسه بقية حياته، على أن الدولة وفقها الله لم تأل جهداً في سبيل علاجه رحمه الله ، وكان موقف الملك فهد رحمه الله مشرفاً حيث أمر بعلاجه داخل المملكة وفي لبنان والكويت وكذا الأمير سلمان وفقه الله وسدد خطاه إلا ان اصابته في قواه العقلية كانت أكبر من كل علاج قدم له وظل حبيس غرفته في مستشفى الأمراض العقلية بالطائف يتنقل بينها وبين منزله الذي أهدي له بقرب المستشفى ، في عزلة تامة عن المجتمع في صمت يشبه صمت القبور. وها هي الأيام تدور دوائرها والتقي برجل ما هو إلا نسخة من شخصية الحجي في ظروفها ومواهبها وقد أصيب بمرض الفصام في مقتبل شبابه وكان شاعراً شعبياً لا يشق له غبار إلا أن تداعيات المرض أخرسته حتى أحالته إلى جسم بلا روح وعقل بلا فكر فأصبح رهين المحبسين العزلة والمرض وتطابقت ظروفه مع ظروف الحجي ابتداءً باليتم والشعر وانتهاءً بانفصام الشخصية واعتزال المجتمع والدنيا بأسرها ونختم بهذه الأبيات لمن غنى للانين والشقاء والذكريات الشجية للحجي حيث يقول : أأبقى على مر الجديدين في جوى ويسعد أقوام وهم نظرائي ألست أخاهم قد فطرنا سوية فكيف أتاني في الحياة شقائي أرى خلقهم مثلي وخلقي مثلهم وما قصرت بي همتي وذكائي يسيرون في درب الحياة ضواحكاً على حين دمعي ابتل منه ردائي عفا الله عن حمد الحجي وغفر له وكتب له الأجر والمثوبة والشفاء للشاعر عبدالمحسن بن عايض العاطفي * كاتب وباحث /تثليث