استعدت خلال الفترة الأخيرة قراءة بعض الكتب التي كنت قد قرأتها من فترات زمنية بعيدة وهي تعنى بالأدب الوجداني الجميل الذي يشيع في النفس الشعور الشهي .. ويملأ الصدر بالابتهاج والرضا. شعرت بأنني احتاج إلى اتكاءة مضمخة بالأشواق .. والأحلام .. والعطور .. فعدت أفتش في مكتبتي عن كتب المنفلوطي والقباني والرافعي وجبران وغادة السمان بحروفها الانيقة والراحل الحبيب عبدالله جفري .. وغيرهم من الذين كانوا يرشون على الحنايا أحلى الأشواق .. وأجمل الغشقات. هؤلاء وسواهم ممن احترفوا الكتابة الوجدانية .. كانوا يقدمون أدباً رفيعاً يتصالح مع أصحاب القلوب التي تعشق الجمال .. وتنطوي على أحاسيس مجدولة بأسمى المعاني وأرقها. نشعر ونحن نقرأهم بأننا نحلق في آفاق رحبة .. نتعلم منها الانصات للخفق الحنون .. ونستشعر معها بالامتاع .. ونتواصل مع كل المشاعر الدافقة بالحزن .. والفرح. في وقت قد نجد من يرفض التصالح مع هذا الألق الشهي ليس لعيب فيه .. ولكن لأن نفسه مليئة بالاحتدامات .. والقسوة .. وهكذا هو الإنسان ابن بيئته .. وتربيته .. ومنطلقات ظروفه. ولهذا اللون من الأدب قامات شامخة أعطت بثراء .. وسخاء .. القراء في كل مكان فأدمنوا متابعتهم .. وأحبوا عطاءاتهم .. وشكلوا هتافاً دائماً وهم يملأون النفس بكل حلو .. ورائع .. وجميل. وعلينا أن نتنبه لمن يخلطون في هذا المنبع الأدبي الجميل .. ففي الوقت الذي نستمتع فيه بالأدب الوجداني الرقيق .. نجد أن هناك أقلاماً لا يملك أصحابها الحس الوجداني الراقي .. ولهذا فانهم لا يقدمون صوراً إبداعية مدهشة .. وثراء لغوياً مزدحماً بالمفردات والعبارات الراقية .. ولكنهم يعمدون إلى الغزل الرخيص المباشر الذي يعنى برسائل خاصة يوجهونها إلى أشخاص بعينهم تحت مسمى الأدب الوجداني ومثل هذا التدني لا يخاطب القراء .. ولا يملأ صدورهم بالازدهاء .. وهو لا يصل الا لمن كتبوا لهم بوجه الخصوص وهي أشبه كما قلت بالرسائل الخاصة التي لا تمت إلى الأدب في شيء!! ولهذا فهي مليئة بالايماءات المباشرة والخاصة التي لا دخل للقراء فيها أبداً .. بل اننا لا ندري كيف سمحوا لأنفسهم برواية أشيائهم الخاصة .. وممارساتهم .. على عموم القراء؟!. ليظل بعد هذا .. وقبله .. الأدب الوجداني الجميل .. السامق بالاثمار .. والامتاع .. قادراً على التواصل مع القراء .. كل القراء .. وليكون أدباً خالداً يعيش على مر الأزمان في القلب .. والوجدان. آخر المشوار قال الشاعر: لو تغيبي لو رحل وجهك حبيبي تصغر الدنيا وتضيق كل ما في الدنيا أعرفه إلا بيتي والطريق