أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، المُصلّين، اليوم السابع عشر من شهر شوال، وألقّى خطبتي الجمعة لأول مرة منذ صدور موافقة المقام السامي في شهر رمضان الماضي، بتعيينه خطيباً بالمسجد الحرام. واستهل فضيلته خطبته بحمد الله عز وجل، مبيناً أن نعمة الإيمان أعظم نعمة على العبد، فإنه متى حظي بها فقد نال نعمة لا تداينها نعمة، ولا توازيها منة، بها تتحقق سعادة الدنيا والآخرة، وتأملوا قول الباري سبحانه: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وتابع: فالإيمان أكبر منة الوجود، الذي يمنحه الله ابتداءً لهذا العبد وسائر ما يتعلق بالوجود، من آلاء الرزق والصحة والحياة والمتاع.، إنها المنة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميزة، وتجعل له في الحياة أثراً فاعلاً. وأضاف فضيلته قائلاً: أن الإيمان عباد الله ريح ومغنم ومنة لا يقدر قدره إلا من عرف قيمته، وله آثار عظيمة تعود على حياة العبد المسلم، فمن آثاره التي حق لنا أن نقف عندها، أن الإيمان يغير كيان العبد فيكون باعثاً له على بذل المعروف ودافعاً إلى اسباق الخيرات، فإن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه) رواه البخاري ومسلم، وعند الإمام أحمد بإسناد صحيح (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه من الخير). واستطرد: عليه فالمؤمن مستشعر أن له أخوة في الدين يحبهم ويجلهم ويحب أن ينالهم من الخير مثل ما ناله ويتحقق لهم من الفضل مثل ما تحقق له. وأكمل فضيلته بأن الإيمان حقيقة يحول العباد إلى أداة فاعلة مثمرة منتجة، لذا فالمؤمن يحرص مدة بقائه في الدنيا أن يكسب من الحسنات ويجمع من خصال الخير، ويزداد قربه من ربه، ويشعر أنه في سباق لا ينتهي حتى الموت، فهو يسابق الزمن ويضن بالوقت أن يذهب عليه سدى، وبالعمر ان ينفى بلا فائدة. وقال فضيلته: لقد ربى النبي الكريم صلوات ربي وسلامُه عليه، الصحابة الكرام على التقديم والعطاء والتضحية وبذل الأنفس في سبيل الله، فكانوا مضرب مثل في ذلك، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كان إذا أدرك رجلاً من بعيد سلم عليه، وقال يوماً ًللأغر المزني: أما ترى ما يُصيبُ القومُ عليك من الفضل، لا يستقبلنّك إلى السلام أحد، فقال الأغرُّ فكنا إذا طلع الرجل ابتدرناه بالسلام قبل أن يسلم علينا. واستكمل: وكيف لا يتسابق الصحابة لذلك، وقد علمهم مربيهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم، أن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام.، فهم حريصون أن يكونوا أقرب الناس من الله بطاعته وأخصَّهم برحمته. وأشار إلى أنه عندما بلغ ابن عمر أجرُ اتباع الجنازة والصلاة عليها ودفنها، وأنه قراطان ضرب بالحصى الذي في يده الأرض، ثم قال: (لقد فرطنا في قراريط كثيرة)، هكذا هم العظماء يتحسرون على ما فاتهم من الأجر والثواب وليس على حطام الدنيا الزائلة. وأردف فضيلته أن الإيمان له آثار مشرقة ونتائج حميدة تنعكس على تصورات الأفراد وسلوكهم في الحياة، لذا كان لزاماً أن يحرص المرء على تجديد الإيمان، وهذا ما أوصى به قدوة الأنام صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الطبراني والحاكم بإسناد حسن. واختتم: بقوله وما أحرى المسلم أن يدعو ربه بأن يجعله مباركاً أينما كان ويجري الخير على يديه ويجعله ناصحاً للعباد آمراً بالمعروف ناهيا عن المنكر من مفاتيح الخير ومغاليق الشر، حريصاً على نفع الناس وخدمتهم بما يستطيع: “يخدمهم بماله، وبجهده، وبجاهه، وبدعائه”.