تشهد منطقة الشرق الأوسط- خلال الوقت الراهن- حراكًا مهمًّا لثلاثة تحالفات عسكرية مختلفة الأهداف، لكنها تتفق على إعادة ترتيب "أوضاع فوضوية" فرضتها عصابات إرهابية أو انقلابية، والتحالفات الثلاثة هي بحسب أقدمية التكوين: "التحالف الدولي ضد داعش"، "التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن"، ثم "التحالف الإسلامي العسكري". التحالف الدولي ضد "داعش" يحاول إنعاش حراكه العسكري، بعد إبداء السعودية استعدادها للمشاركة بقوات برية، بعد أن استمرت عملياته لوقت طويل نسبيًّا (حوالي 18 شهرًا)، دون تحقيق أهم أهدافه بقصقصة أجنحة "داعش" على الأقل. ولعل إعلان السعودية بلا صخب في 15 ديسمبر الماضي، عن إعلان تشكيل "التحالف الإسلامي العسكري" بمشاركة 35 دولة وتكوين غرفة عمليات في الرياض، يشير إلى الوضعية المهمة التي فرضتها القيادة السعودية لمكانة الدولة إستراتيجيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا. وفرض تشكيل التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، أهميته على اجتماعات "الناتو" مع التحالف ضد "داعش" في بروكسل، ليقين أهل القرار الغربي بأهمية هذا التحالف المختلف في السنوات القريبة المقبلة، خصوصًا أن هدفه الرئيسي هو صد الإرهاب. وبنفس حالة الابتعاد عن الصخب، كان إعلان السعودية عن بدء عمليات التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن (عاصفة الحزم)، بطلب من الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، في الساعات الصباحية الأولى من يوم 26 مارس 2015. مشاركة السعودية في التحالف الدولي تختص بسوريا فقط عندما بدأت عمليات التحالف الدولي ضد "داعش"، كانت البداية لكبح سيطرته على مساحات واسعة في العراقوسوريا، وكانت البداية من خلال 20 دولة. السعودية كانت من بين الدولة المساهمة في التحالف، لكنها طالبت باقتصار جهودها على الأراضي السورية فقط. وكانت صافرة انطلاق الغارات في يوم 7 أغسطس 2014، بعد كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشعبه، قال فيها: إن الأوضاع السيئة في العراق، والاعتداءات العنيفة الموجهة ضد الإيزيديين، أقنعت الإدارة الأمريكية بضرورة تدخل قواتها لحماية المواطنين الأمريكيين في المنطقة والأقلية الإيزيدية، إلى جانب وقف تقدم المسلحين إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. وبعد أكثر من شهر، في 23 سبتمبر، شنّت كلٌّ من أمريكا والسعودية والبحرين والأردن وقطر والإمارات أولى غاراتها ضد تنظيم "داعش" في سوريا. وبعدها تواصل حراك التحالف متصاعدًا، إلى أن وصل إلى 60 دولة في الوقت الراهن. واللافت أن الحرب ضد "داعش"، لم يُطلق عليها اسم على عكس جميع الحروب التي خاضتها واشنطن وحلفاؤها؛ ما أثار تساؤلات في الإعلام الأمريكي عن أسباب ذلك. واتفقت جميع الدول المشاركة بالتحالف على عدم إرسال قوات مقاتلة على الأرض، والاكتفاء فقط بتدريب وتسليح الجيش العراقي و"المعارضة السورية المعتدلة" والقوات الكردية. ومن أبرز الاجتماعات التي عقدتها دول التحالف كان اجتماع جدة يوم 11 سبتمبر 2014 على مستوى وزراء الخارجية، حيث اتفقت أمريكا والسعودية ومصر والعراقوالأردن ولبنان وقطر والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان على محاربة داعش، بما في ذلك العمل على وقف تدفق الأموال والمقاتلين إلى التنظيم، وعلى "إعادة بناء المجتمعات التي روعها التنظيم بأعماله الوحشية"، كما جاء في وثيقة الاتفاق. التحالف الإسلامي يحقق حلمًا استمر طويلًا ترجمة القيادة السعودية حرص المؤتمر الإسلامي العالمي لرابطة العالم الإسلامي في 22 فبراير 2015 بضرورة تشكيل منظومة إسلامية جماعية تتصدى لتشويه الإرهاب صورة الإسلام والمسلمين في العالم- تحقيقًا لحلم إسلامي استمر طويلًا- لتعلن بعد نحو 10 أشهر في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 15 ديسمبر قبيل نهاية العام الماضي، عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي يضم حتى الآن 35 دولة إسلامية. وتشكّل التحالف من خلال 34 دولة أولًا، من خلال تعجيل إعلان البيان المشترك لدول هذا التحالف، ليكون مقره وغرفة عملياته في الرياض، وانضمت الدولة ال35 وهي أوغندا بعد نشر البيان، والدول إلى جانب السعودية، هي: الأردن ومصر وتركيا والإمارات وباكستان وقطر والبحرين وبنجلاديش وبنين وتشاد وتوجو وتونس وجيبوتي والسنغال والسودان وسيراليون والصومال والجابون وغينيا وفلسطين وجزر القمر وساحل العاج والكويت ولبنان وليبيا والمالديف ومالي وماليزيا والمغرب وموريتانيا والنيجر ونيجيريا واليمن وأوغندا. وهناك أكثر من 10 دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها لهذا التحالف، وستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، منها إندونيسيا. ومن أبرز أهداف التحالف، حماية أراضي دوله من الجماعات الإرهابية (داعش والقاعدة وأخواتها)، وحتى يكون ردًّا عمليًّا على مهاجم الإسلام بإلصاق التهم الجاهزة بشأن العديد من عمليات الإرهاب العالمية. وقال العميد أحمد عسيري المستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي: إن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب سيدخل حيز التنفيذ خلال شهرين، وأوضح أنه تم الانتهاء من الجهود الدبلوماسية لتشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب. ومن المنتظر أن تستضيف السعودية في مارس المقبل، اجتماعًا لدول التحالف الإسلامي. ويتخذ التحالف المكون من 34 دولة العاصمة السعودية الرياض مركزًا للعمليات المشتركة؛ لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب وتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود. التحالف العربي يقترب من إقصاء هاجس "التمدُّد الصفوي" عمليات "عاصفة الحزم" التي بدأت فجر 26 مارس 2015 حتى 21 إبريل من العام نفسه، قبل بدء عمليات "إعادة الأمل" المستمرة حتى الآن، تشير إلى اقتراب وشيك من قطع دابر الانقلابيين الحوثيين وشركائهم من قوات المخلوع علي عبدالله صالح، وإنها مرحلة غامضة كانت تسعى لتحقيق أحد فصول سيطرة "التمدُّد الصفوي" لحكم الملالي في إيران، من خلال التدخل في أكثر من عاصمة عربية. تلك العمليات بدأت بتنفيذ ضربات جوية، استجابة لطلب من رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي؛ بسبب هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن، التي لجأ إليها الرئيس هادي قبل المغادرة إلى السعودية. وتشارك في العمليات جوًّا وبرًّا إلى جانب السعودية، كلٌّ من الإمارات والكويت والبحرين وقطر والسودان والأردن والمغرب ومصر. وفي نفس يوم اجتماع دول التحالف الدولي ضد داعش مع حلف الناتو في بروكسل، بحضور ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان (الخميس)، قدم الرئيس اليمني هادي شكره لدول التحالف العربي بقيادة السعودية، وثمّن عاليًا دعمهم الكبير والسخي الذي منع سقوط اليمن بيد الميليشيات الخاضعة لتوجهات إيرانية. وجاء ذلك خلال خطاب له بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة الشباب السلمية التي توافق ال11 فبراير من كل عام، حيث قال: "إننا وباسم الشعب اليمني نتقدم بالشكر الكبير للإخوة في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ونثمّن عاليًا دعمهم الكبير الذي شاركنا الدماء والفداء والتضحية". وأوضح الرئيس اليمني، في خطابه الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، أن طلب التدخل العسكري والسياسي الذي قدمه لدول مجلس التعاون لدول الخليج، كان خيارًا لمنع سقوط اليمن بيد الميليشيات الخاضعة لتوجهات إيرانية عدوانية، مشيرًا إلى أن السلطات الشرعية قررت طلب التدخل العسكري والسياسي الشامل من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية؛ للقيام بدورهم في منع سقوط اليمن وترسيخ السلطة الشرعية وإنهاء الانقلاب والتمرد والقضاء على الحالة الفوضوية والميليشياوية، التي مزقت النسيج الوطني وانقلبت على السلطة الشرعية وهددت الأمن القومي العربي وأقلقت السلام العالمي وعرّضت البلاد برمتها للخطر الجسيم.