استعرضت دارة الملك عبدالعزيز مواقف سابقة لمثل هذه الأحداث التي تشهدها المملكة، وتسببت في اتخاذ إجراءات وقائية في الحرمين الشريفين للوقاية من كورونا الجديد، ومنها تعطيل الحج حفاظًا على أرواح الحجاج والزوار بمقتضى الشريعة السمحاء. وأوضحت دارة الملك عبدالعزيز أن الحج قد توقف 40 مرة على مدار التاريخ، نقلًا عن علماء التاريخ الإسلامي الذين أكّدوا بأن أسبابًا تنوّعت بين عِدة ظروف، منها: “انتشار الأمراض والأوبئة، والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، إلى جانب فساد الطرق من قبل اللصوص والقُطّاع”. المرة الأولى بسبب القرامطة وأضافت: “كانت المرة الأولى لتعطيل فريضة الحج بسبب “القرامطة” الذين كانوا يعتقدون أن شعائر الحج من الجاهلية ومن قبيل عبادة الأصنام، والتي كان حينها زعيم والقرامطة “أبو طاهر القرمطي” منشدًا على باب الكعبة يوم الثامن من ذي الحجة عام 317ه، داعيًا سيوف أتباعه بأن تحصد حجاج بيت الله قتلًا ونهبًا وسفكًا وبإشرافه على تلك المجزرة، وكان ينادي ويقول لأصحابه: “أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار، ودكوا أركان الكعبة، واقلعوا الحجر الأسود”. واستطردت الدارة بقولها “خلّد التاريخ في تلك المجزرة تعلّق الحُجاج بأستار الكعبة، قبل أن تختطفهم سيوف الطاغية القرمطي، ويزداد عدد قتلى بيت الله الحرام إلى 30 ألف شهيد، ودفنوا في مواضعهم بلا غسل ولا كفن ولا صلاة، وجمعوا الطغاة جثة 3 آلاف حاج، وطمروا بها في بئر زمزم ودمروه بالكلية، قبل أن يقلعوا الحجر الأسود من مكانه ويحمله معهم إلى مدينة “هجر” (القطيف حاليًا)، حيث كانت مركز دعوتهم وعاصمة دولتهم، وتعطّل الحج آنذاك كما يُقال 10 أعوام، حيث لم يقف أحد بعرفة، ولم تُؤدّ المناسك، وذلك لأول مرة، منذ أن فرضت الشعيرة”. مذبحة صعيد عرفة وأردفت: “الحادثة الأخرى كانت سنة 251ه، والتي تُعرف ب”مذبحة صعيد عرفة”، وأُبطِل الحج حينها، بعد أن هاجم إسماعيل بن يوسف العلوي ومن معه؛ جموع الحجاج فقتلوا منهم أعدادًا كبيرة”. كما توقّف سنة 357ه، ويُقال إنها بسبب انتشار ما يُسمّى ب”داء الماشري” في مكةالمكرمة، وبسببه مات الحُجاج، وماتت إبلهم في الطريق من العطش، ولم يصل منهم إلى مكة سِوى القليل”. وتابعت : “كما تعطّل في سنة 390ه بسبب شدة الغلاء، كما لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل مصر في سنة 419ه، وفي سنة 492ه، لم يحج أحد، بسبب ما حلَّ بالمسلمين من ارتباك وفقدان للأمن في أنحاء دولتهم الكبيرة بسبب النزاع المستشري بينهم، وقبل سقوط القدس في يد الصليبيين بخمس سنوات فقط. كما أضافت: “لم يحج المصريون سنة 563ه، بسبب انشغالهم بحرب أسد الدين، وبعد ذلك لم يحج أحد من سائر الأقطار ما عدا الحجاز من سنة 654ه ولمدة أربع سنوات. وأما سنة 1213ه توقفت رحلات الحج في أثناء الحملة الفرنسية لعدم أمان الطريق”. كما عاد البغداديون للحج سنة 650ه بعد توقّفهم 10سنوات إثر موت الخليفة المستنصر. وباء قادم من الهند وأشارت نقلًا عن علماء التاريخ: “انتشر سنة 1246ه وباء قادم من الهند وقتل ثلاثة أرباع الحجاج، وفي سنة 1837م تفشّت الأوبئة بالحج واستمرت حتى 1892م، وشهدت تلك الفترة موت ألف من الحجاج يوميًا، نظرًا لتفشّي وباء شديد الخطورة، بل في سنة 1871 ضرب المدينةالمنورة وباء، كما شهدت تفشّي وباء يُعرف بالكوليرا الذي انتشر في موسم الحج، وتزايدت الوفيات في عرفات، وبلغت ذروتها في منى. وختمت دارة الملك عبدالعزيز بقولها: “الأوبئة في تاريخ الحرم المكي كانت كثيرة لشدة الازدحام وكثرة الزوار من حول العالم، ولم تتوفّر في العصور القديمة قبل العهد السعودي خدمات مراقبة ومتابعة أمراض الحجاج، ولم تفرض السلطات حجرًا صحيًا على من يُشتبه أنهم يحملون أمراضًا معدية، ولم تتوفّر أي خدمات للتعقيم، فحصدت الأوبئة أعدادًا كبيرةً من الحُجاج”.