علاقات أخوية وثقافية ودينية تربط المملكة العربية السعودية مع جمهورية باكستان الإسلامية، متجذرة في ثوابتها وأسسها المصالحية المشتركة، وعميقة في تعاطيها مع الأحداث والأزمات السياسية والعسكرية. كما تحمل هذه العلاقات ثقلًا سياسيًّا وإستراتيجيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا أقوى بكثير مما يتوقعه المطلع على العلاقات بين البلدين. السعودية تنقذ اقتصاد باكستان: وقد تطورت هذه العلاقات مع مرور الوقت، لتتجاوز حاجز الزمن وتاريخ المحبة المتبادلة بين حكومتي وشعبي البلدين بوقفاتهما التاريخية جنبًا إلى جنب. وكانت لوقفات المملكة حكومة وشعبًا إلى جانب إخوانهم الباكستانيين، وخصوصًا وقت الأزمات، الأثر الطيب على مستوى العلاقات بين البلدين، وهو ما نراه في التحرك السعودي الأخير لإنقاذ الاقتصاد الباكستاني، إذ أعلنت الرياض عن منح إسلام آباد ثلاثة مليارات دولار بالعملات الأجنبية لمدة عام دعمًا لميزان المدفوعات، والسماح لها بتأجيل مدفوعات واردات نفطية بقيمة تصل إلى ثلاثة مليارات دولار لمدة عام. هذا الترتيب سيظل قائمًا لثلاث سنوات، وستجري مراجعته بعد ذلك الحين. وبلغ حجم التجارة المتبادلة بين البلدين، خلال عقد من الزمن بين 2002 و2012، قرابة ال115.4 مليار ريال (30.7 مليار دولار)، فضلًا عن أكثر من مليوني عامل باكستاني يعملون في المملكة العربية السعودية. كذلك دعمت السعودية الكثير من المؤسسات الخيرية والتعليمية والطبية في باكستان. وساندت باكستان خلال الحرب مع الهند في سبعينات القرن الماضي، من خلال إرسال شحنات نفط ضخمة بدون أي مقابل، بخلاف التمويل الذي قدمته السعودية لدعم قدرات التسليح لدى الجيش الباكستاني. عمق استراتيجي متبادل: ويمثل البلدان الشقيقان، عمقًا إستراتيجيًّا لبعضهما منذ توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بينهما في عهد الجنرال ضياء الحق، وقبله معاهدة الصداقة 1951 في عهد الملك عبدالعزيز (رحمه الله). ويحمل البلدان همومًا مشتركة للأمة الإسلامية في مكافحة الإرهاب ومظاهر التطرف، وتعاونًا عسكريًّا على مدى عقود في التدريب وتبادل الخبرات ونقل التقنيات، واقتصاديًّا في تصدير العمالة الباكستانية للمملكة التي تقدر تحويلاتها سنويًّا بخمسة مليارات دولار، إلى جانب التبادل التجاري المتنامي بين البلدين، وتسهيل وصول الحجاج والمعتمرين إلى الأراضي المقدسة. ولعب الباكستانيون دورًا في تأسيس سلاح الجو الملكي السعودي وتدريب طياريه. كما توطدت العلاقات بين البلدين رغم تعاقب الحكومات في إسلام آباد. وساهم الباكستانيون دوما في الدفاع عن المملكة في أوقات التوتر. وبدورها، استثمرت السعودية في السلاح النووي الباكستاني. كما تعهدت المملكة بمساعدات مالية ونفطية تعين إسلام آباد على تجاوز تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية عقب اختباراتها النووية. وساعد التنسيق السعودي- الباكستاني على نجاح الجهاد الأفغاني في دحر الغزو السوفيتي. وشاركت الدولتان في الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة على "الإرهاب"، وحظيتا بعلاقات استخباراتية وثيقة في هذا الإطار. طريق الحرير: المشروع الصينيالباكستاني، يحظى باهتمام سعودي، لاسيّما في إطار خطط رؤية المملكة 2030 التي وضعها الأمير محمد بن سلمان، والتي بموجبها يتحرك صندوق الاستثمارات العامة لعقد شراكات تزيد من فرص السعودية في الموارد الاقتصادية البعيدة عن النفط. ووقعت المملكة 4 عقودٍ خاصة بالاستثمارات في قطاع البترول والتعدين والتعاون التجاري وفق رؤية 2030، من شأنها أن تَمُدَّ مساحة مبادرة طريق الحرير الجديد الصينية (أو مبادرة الطريق والحزام) من مدينة جوادر الباكستانية إلى إفريقيا عبر عمانوالرياض. وفي السياق ذاته، أعلن وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، أنَّ المملكة تعتزم إنشاء مصفاة نفط بقيمة عشرة مليارات دولار بميناء جوادر الباكستاني المطل على المحيط الهندي، سعيًا لجعل النمو الاقتصادي لباكستان مستقرًّا، من خلال تأسيس مصفاة نفط، وإقامة شراكة مع باكستان من خلال الممر الاقتصادي بين الصينوباكستان، تشمل التعاون في مجالات التكرير والبتروكيماويات والتعدين والطاقة المتجددة. تعاون دفاعي أيضًا: وشهدت إسلام آباد، في الأيام الأخيرة، زيارة وفد عسكري سعودي رفيع، يرأسه الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، حيث أجرى محادثات مع قائد الجيش الباكستاني الفريق أول قمر جاويد باجوه، بحثا خلالها الأوضاع الجيواستراتيجية، والقضايا المتعلقة بالتعاون الدفاعي الثنائي. ومن جانبه، ثمّن الرئيس الباكستاني علاقات بلاده بالسعودية، خلال استقبال الفريق الأول الركن الرويلي، مؤكدًا حرص إسلام آباد على تعزيز التعاون مع الرياض في المجالات كافة. كما دعا إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال التصنيع الحربي. وفي إطار العمل العسكري المشترك، كانت باكستان من أوائل الدول المنضمة إلى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب ومكافحة التطرف الذي أسسته السعودية، ومنح وزير الدفاع الباكستاني قيادته. هكذا نرى، أنّه على مدى 70 عامًا وأكثر، والعلاقات السعودية الباكستانية تسير وفقًا لوتيرة محكومة بدقة متناهية، وتتطور على أساس راسخ، تتم الحركة فيها بديناميكية دائمة لا تتوقف.