في إطار فعاليات "الحوار الثقافي السعودي – الصيني"، الذي ينظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض خلال شهر يناير الجاري ويشهد عدداً من الفعاليات الثقافية من محاضرات وحلقات نقاش بمشاركة عدد من المسؤولين والأكاديميين والباحثين والمثقفين ورجال الأعمال من المملكة والصين، استضاف المركز البروفيسور يان شويتونج عميد معهد العلاقات الدولية الحديثة في جامعة تشنغهوا الصينية، والذي ألقى محاضرة بعنوان "الصين والنظام العالمي المتغير"، وسط حضور كبير من المختصين بالشؤون السياسية والخبراء والأكاديميين وسفراء الدول الأجنبية والشخصيات العامة، وذلك في قاعة المحاضرات بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية بالرياض مساء الاثنين 5 جمادى الأولى 1439ه، 22 يناير 2017م. ورأى البروفيسور يان شويتونج، أن الولاياتالمتحدة بدأت تفقد دورها المهيمن على منطقة الشرق الأوسط، ولكن لا يمكن للقوى الأخرى أن تلعب نفس الدور، فروسيا قدراتها لا تؤهلها إلى قيادة المنطقة حتى وإن تدخلت في سوريا وغيرها، والصين أيضاً لا تملك القدرة على القيادة أو ملء الفراغ العسكري الذي تتركه الولاياتالمتحدة في منطقة مثل الشرق الأوسط ولا حتى في الشرق الأقصى بدلاً عن اليابان. وتابع: "هناك مشكلة في نظام السلام بالنظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وأعتقد أن أمن المنطقة سيعتمد على القوى الإقليمية مثل السعودية ومصر وتركيا، مع تراجع نفوذ القوى الدولية مثل أمريكاوروسياوالصين". وأضاف عميد معهد العلاقات الدولية الحديثة في جامعة تشنغهوا الصينية: إلى أن النظام العالمي تأثر سلبياً بالعولمة التي أضرت بالبشر، مبيناً أن العولمة أصبحت قوية وتخطت قدرات البشر على مواجهتها، حيث إن العولمة لديها إيجابيات فيما يتعلق بالتجارة الحرة وتحرك الأيدي العاملة ولكن سلبياتها خطيرة في جهة الإرهاب والتطرف والاستقطاب والاحتقان، وذكر أن العولمة صارت أسوأ وأسوأ ولا يمكن إيقافها فمجموعة دول ال20 تمثل 80% من الاقتصاد العالمي. وأوضح يان أن هناك تخوفاً من قيام حرب باردة بين الصينوالولاياتالمتحدة بسبب التنافس وتحدي الصين للنفوذ والقيم الأميركية، مبيناً أن النظام العالمي لم يتغير منذ الحرب العالمية الثانية فالدول العظمى هي ذاتها على الساحة الدولية وما يتغير هو الأعراف والمعايير، ولفت إلى أن الحرب الباردة بين روسيا وأميركا أنشأت نظاماً ثنائي القطبية وبعد انتهائها أصبح العالم رهين القوة الأحادية، وذكر أنه وخلال العشر سنوات القادمة ستنتهي الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة وسيكون هناك نظام عالمي يقوده قوتان عظميان هما أمريكاوالصين، مشيراً إلى أن نظام القوة خاضع للتغيير حالياً والقوى الصاعدة مثل الصين ستكون مؤثرة بشكل أكبر في حين سينخفض تأثير الولاياتالمتحدة؛ حيث يعد تراجع نفوذها واقعاً ملموساً اليوم. وقال شويتونج، خلال المحاضرة التي أدارها الباحث محمد السديري رئيس وحدة الدراسات الآسيوية بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية: "لا أعتقد أن الصين تخطط لمواجهة الولاياتالمتحدة، وهي لا ترغب في الاستحواذ على النفوذ الأمريكي، ولكن قوة أمريكا تتراجع وتتناقص بالفعل. كما أن الصين لا ترغب في أن تحد من قوة اليابان الاقتصادية ونفوذها في منطقة شرق آسيا وإن تراجع الاقتصاد الياباني في الفترة الأخيرة. وإن الصين لا تسعى لتصدير أو فرض أي أيديولوجية خارج حدودها، لأن هذا لا يسبب إلا الصراعات والحروب والشواهد كثيرة. بل نحن نشجع التعددية والتنوع الثقافي والسياسي عالمياً، وعلينا فقط تقديم أنفسنا بشكل جيد حتى تكون للصين سلطة أخلاقية. وذكر شويتونج المفكر السياسي الصيني، أن النظام العالمي ينقسم إلى ثلاثة مستويات وهي السلام أو الحرب ونظام القوة وإعادة توزيع القوة وأخيراً الأعراف، وأن هذا النظام تحول من الثنائي القطبية إلى الأحادي ومستقبلاً سيعود إلى الثنائية بين الصينوأمريكا، فالصين قوة صاعدة وستحصل على جزء من نفوذ الولاياتالمتحدة التي بالأساس فقدت نصيباً من قوتها وقيادتها للنظام العالمي، وتراجع أمريكا أصبح واقعاً وسيتم توزيع القوة الدولية بناء على تقسيم القوة الشاملة. ولفت إلى أن الأعراف التي تمثلها المنظمات والمؤسسات الدولية تتغير بسبب تغير هيكل القوة، فالرئيس الأميركي ترامب انسحب من معاهدة باريس للمناخ واتفاقية التجارة العالمية، وهناك اتجاه لتأسيس أعراف دولية جديدة لنظام عالمي جديد، وأبان أن النظام الإقليمي في أوربا يتجه نحو عدم المركزية لا سيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وأن ألمانيا وفرنسا تواجهان هذا التحدي في الوقت الحالي والأمر يتطلب وضع أعراف جديدة في القارة الأوربية. وفي ختام محاضرته رفض يان اعتبار منطقة شرق آسيا منطقة خطر بسبب الدرع النووية، مشدداً على أنها أكثر المناطق أمنًا حول العالم فمنذ ما يزيد على 30 عاماً لم تقم أي حروب في المنطقة، وحتى الصراع بين الهند وباكستان تحول إلى نزاع محدود منذ امتلاكهما السلاح النووي، بينما قامت أربع حروب في أوربا خلال هذه الفترة، ولفت إلى أنه سيكون هناك توزيع للقوة وأعراف جديدة في المنطقة خلال الفترة القادمة.