لازلنا في حضرة الوطن، نحتفي بيومه، ونترنَّم بمحبتنا له، متمثِّلين الرمز، والقيمة، والمعنى لوطننا، وأمِّنا الرؤوم المملكة العربيَّة السعوديَّة. فنستذكرُ -أوَّل ما نستذكر- نعمة الله علينا، أنْ وحَّد هذه المملكة المترامية المساحة، تحت راية التوحيد الخضراء. ما أجمل الاحتفاء بالوطن، وأن نرى تمظهرات هذا الفرح في سلوك الناس ومشاعرهم، التي فاضت بها مواقع التواصل الاجتماعي، ومظاهر الحياة من حولنا، ولكنَّنا لا نريده يومًا لممارسة فن الخطابة، ونظم الشعر، وتدبيج المقالات. لا نريده ورقة ننزعها من التقويم، وقد شعرنا أنَّنا أدَّينا ما علينا، فقد ملأنا الدنيا بمشاعرنا المتأجِّجة، وحبرنا بياض المساحات ببديع الكلام. بل نريده يومًا لمراجعة الحسابات، ونريده قوَّة دافعة للسير في ركب التقدم، ونريده تجذيرًا حقيقيًّا للانتماء، وتوعية بمعاني المواطنة، وبثقافة الحقوق والواجبات. نريده إحساسًا بالمسؤوليَّة، وحرصًا على مصلحة المواطن، ونبذًا للمحسوبيَّات لينال كلُّ ذي حقٍّ حقَّه. ونريده إدراكًا لأهميَّة حصول المواطن على حقوق هي نتيجة حتميَّة يفترض أن يحصدها كثمرة لآدائه واجباته، فلا يمكن أنْ يتحقق الشعور بالانتماء، دون أن يطوق الفرد ذلك الإحساس بالأمان المتولَّد من نيله حقوق المواطنة. نريده حلمًا واعدًا بغدٍ أفضل، يستطيع فيه المواطن أن يجني غراس رؤية التحوُّل الموعودة، بأن يراها حصادًا انعكس في تنويع مصادر الدخل، وتوفير الوظائف، ورخاء المواطن. نريد من اليوم الوطني أن يلوِّح لنا بنقلة نوعيَّة في مسيرة التعليم، نحصد فيها ثمار خطة تطوير التعليم، الذي وضع لبنتها الملك عبدالله -رحمه الله- ولم نجنِ ثمارها المرجوَّة حتَّى اليوم. نريده مراكز بحوث، ومنهجًا علميًّا، وخطابًا ثقافيًّا جديدًا، يضعنا على الطريق الصحيح لنواجه تحديات عصرنا، ونريده تقديسًا للعلم والعمل، ورغبة صادقة في إتقان العمل وأدائه على أكمل وجوهه، وقدرة على ممارسة النقد الذاتي، وشجاعة على تصحيح الأخطاء. نريده سقفًا أعلى لحرية التعبير، وصحافة مسؤولة، تلفظ عنها ثوب الجمود والتحنط، تُمكِّن من ممارسة النقد بمهنيَّة وشفافيَّة، لترافق مسيرة التحوُّل، وترصُّد خطواتها، وتقيل ما تعثَّر منها. نريده حلمًا واعدًا بتفعيل مؤسَّسات المجتمع المدني المستقلة، فهي الساعد الأيمن للدولة للتخلُّص من ركود البيروقراطيَّة، وحمولات الروتين، والعين الثانية التي تراقب وتسائل المخطئ، وتقوّم المسيرة. نريده حلمًا سريعَ التحقُّق بنَيل المرأة لأهليتها الكاملة، وتفعيل دورها، وتمكينها، وتحقيق مزيدٍ من فرص العمل لها، فلا مسيرة دون إشراك كافَّة أطراف المجتمع، ولا حركة حقيقيَّة دون تحويل أفراد المجتمع -من الجنسين- إلى قوَّة فاعلة تساهم في رفعة الأوطان. إنَّ أثمن ما يقدمه المواطن لوطنه في يومه الوطني، هو الالتفاف تحت رايته، ونبذ كل ما يؤدِّي للفرقة والكراهية والشقاق، واستحضار معاني الإخاء، والمحبَّة، والتآزر، واللُّحمة الوطنيَّة. نريدها مواطنة صادقة تزف الوطن في عيده، وقد نبذت عنها خطاب الأحاديَّة، ورفض المختلف، مواطنة تتطهَّر من خطاب التبديع، والتفسيق، والتكفير، وتتبرَّأ من أدبيَّات التشدُّد والتطرُّف لتضم كافة مواطنيها على اختلافاتهم تحت جناحيها الممتدين فوق رقعة جغرافيَّة شاسعة الأطراف. الوطن لا يشيّده المطبِّلُون، ولا الطائفيُّون العنصريُّون، ممَّن ينعقون بالكراهية، ويوزِّعون الاتِّهامات بالتخوين، أو العمالة على كل من يختلف معهم في المذهب، أو في الرأي، ولكن يشيده أبناؤه المخلصون المدركون للمعنى الحقيقي للوطنيَّة والمواطنة، وأهميَّة الانضواء تحت لواء الوطن، متوحِّدين في هذا الوقت العصيب، الذي تحيط بنا فيه الأخطار من كل جانب. [email protected]