ذكرتْ صحيفة «الوطن» السعوديَّة أنَّ العمليَّات الاستباقيَّة للأجهزة الأمنيَّة السعوديَّة أطاحت -خلال العام الهجري الجاري- ب1390 متَّهمًا، تورَّطوا في قضايا ذات صِلة بالإرهاب، وأمن الدولة، بمعدل 116 متَّهمًا في الشهر، و4 متَّهمين يوميًّا، منهم 967 سعوديًّا. سقط الخبر عليَّ في جريدة الوطن السعوديَّة مصادفةً.. مزج سواد حبر حروفها بسواد زمنها، تراءت أمامي حينها أطياف أولئك الشباب، الذين تورَّطوا في الإرهاب، وتوحَّلوا بتبعاته. ترهقني قليلاً.. بل كثيرًا جدًّا صور أبنائنا في العمليَّات الإرهابيَّة، تصارعت الأخبار في رأسي، أجهدني التفكير السلبي الموحش، وأنا أتأمَّل صورهم في وجوم حزين، وحسرة لا تنتهي على 967 شابًّا سعوديًّا. تذكرتُ بعضَ الأسماء، وتاه آخرون، كنتُ أحاولُ بجهدٍ دؤوبٍ مراجعة قائمة الأسماء ففشلت، سقطوا من الذاكرة في دوائر الزمن الطاحنة، أفكاري الشاردة تنتظم.. كتبتُ للصديق أنَّ ذاكرتي مرتبكة، كتبَ لي أرجو ألاَّ يكون قلبك قد هرم أيضًا.. تصوَّرتهم وأمانيهم التي تلامس السحاب، كانوا يومًا ما تشكيلة من شباب الوطن، يختلف كلُّ واحد فيهم عن الآخر، غير أنَّهم يمثِّلون الحياة التي نتتظر في ذات الوقت، الذي يسعون فيه لتحقيق أحلامهم وآمالهم.. فجأةً سرحتُ ونسيتُ أنَّني في المكتب، وتعلَّقتْ عيناي على شاشة جدار المكتب، تخيَّلتُ صورهم، وهم أطفال يجرون ويمرحون، تخيَّلتُ عندما ينجرح أحدٌ منهم يملسون على جرحه، كانوا يتنفسون هواءً واحدًا اسمه وطن، يتشاركون اللعب على ترابه، ويتظلَّلون سماءه. كل ذلك ظلَّ يحدث في مناخ فريد خاص بهم، وكان كلُّ مَن حولهم يتعاطفون معهم، وينتشون لفرحهم، ويحزنون لحزنهم.. حينها أفقتُ من نشوة الذكريات، وعدتُ لحسرتي بخسران شباب الوطن تلك التي حلقت فيها، لا أعرفُ مَن المسؤول عن إيقاف شريط ذكرياتي هذا حين يشاركني إيَّاها كلُّ مَن يحيا على ثرى هذا الوطن.. كما أنَّني لا أعرفُ مَن دفعنا لينتهي بنا المقام إلى ما نحن فيه اليوم، لا أعرفُ أين اختفى التسامح؟ وأين تاهت ملامحه؟ لا أعرفُ مَن أفقدنا المحبة والتعايش مع الآخرين؟! يا الله أفي كلِّ يومٍ نفقدُ أربعة من شباب الوطن؟! كيف استحال كلُّ ما يحمله الجسد من لحم، ودم، وجوارح إلى حجرٍ أصم؟ كيف تحوَّل البعض لمجرمين يكدِّرون صفو أمان أوطانهم، يقتلون مَن هم أقرب إليهم من حبل الوريد! إنَّها أسئلة لا إجابة لها إلاَّ الأسى! هل يمرُّ خبر جريدة الوطن -يا وطن- على نفوسنا، وأفئدتنا دون أن نفكِّر فيه؟! [email protected]