هذه أول مرة أكتب إليك يا صديقتي، وأنا متأكدة بأنك لن تقرأي ما كتبت يا سناء ولن يستطيع أحد أن يخبرك بما كتبت!! فكل المناديل تساقطت من يدي وأنا أبكي عليك بصمت حتى تيبّس الكف. تأتي صورتك في أعمالك الخيرية كالأسطورة وأنت مع إخواننا الكفيفين في جمعية إبصار الخيرية وعيناك تقفان أمامي وصوتك يسدّ المكان، تمنحين أناملك حسًا دافئًا يرطب فقدانهم البصر، يلبسني حضورك ثوبًا من نور في تلك المناسبات الخيرية. وأنا أقف على شرفة الذكريات استنهض الركام بإصرارك طيلة الوقت على خدمة الايتام والمعاقين بنفسك قرارًا لا رجعة فيه ولا تفاوض.. ظل التفاؤل الأكثر استدامة وتعاقبًا في أعمالك وأقوالك، واتلقى الأوامر بالصبر وروح الدعابة منك وانت تمانعين في أي لقاء إعلامي تظهرين فيه. ستبقين شجرتنا المنتشرة جذورها بين العنق والوريد، للعمل الخيري... ظللت السناء اللطيف والبسيط ويظل غيابك خريفًا يهبط بياضًا في الشعر. استحضر آخر تواصل بيننا، سؤالك عن كتاب والدك رحمه الله الذي كان لك الفضل في مساعدتي في كتابته، كنت أعصر روحي كإسفنجة بحرية تقطر دمعًا وأنت تسأليني متى يرى النور كتاب والدك! أيام قليلة ما لبث أن نبت في أضلعي الحنين من جديد وعدت إلى مراسلتك اسألك عن السيدة رجاء والدتك لأجدك على بعد خطوتين من نفسي تهطل عطرا وكلاما جميلا عن تلك الرجاء «الأم» في حياتكم وكيف كانت تغرس الخير فيكم ومنكم وإليكم. ما أصغر الكلمات في حضرة صمتك الأبدي وتواضعك، ما أضعفني اليوم والعالم يكتب عن تفاصيل موتك وتعقيداته وأنا متمسكة بقشة الحياة أمام يقين غيابك الأبدي، ورحلت كما طلبت وتمنيت بجوار والدتك الرجاء «الأم الحنونة» التي كانت كلها رجاء لكم ولكل من عرفها. أعترف لك بأن تلك (العائشة) التي كانت تتقمّص دور الآلة الثابتة القوية أمامك والتي تفرح بلقائك، يغزوها الحزن اليوم كقبيلة تغطي الكون وتنظر في الأفق فلا تجد سوى غيابك، وأن أقسى ما يواجهها اليوم أن أكون في العزاء للسناء والرجاء. [email protected]