أسافر في كل عام لسنغافورة لاجتماع المجلس السنوي للبصريات العالمي، حيث يستضيف المجلس في كل عام بعض الضيوف من أنحاء العالم وكانت ضيفة هذا العام فتاة من جبال التبت، فرحتُ بها كنت شغوفة بتلك الجبال وأتمنى زيارتها. كانت فتاة التبت ضئيلة البنية تلفّ رداء حول جسدها وتحلق شعرها بعناية على «الزيرو».. وتطلي أظافرها بألوان الربيع! بعد أن عرفت أنني عربية مسلمة، وحددت موطني معها على خارطة الإنسان في الأرض سألتني في استراحة اليوم الأول هل تحملين حزاماً ناسفاً في رحلاتك، بل إنْ شئنا الدقة، كانت تخافني وتفرّ مني فرار البشر من الوباء!! كانت طوال الاجتماعات تحييني بابتسامات مقتضبة متوجّسة وخائفة وتخفي عني طيلة الوقت آثار قصص التفجير التي شاهدتها وأفزعتها. كل هذا كان خافيًا عني خلال فترة الاجتماع وكان يمكن أن يظل هكذا مستوراً مختبئًا لحين مغادرتي لسنغافورة، لكن لسبب ما وفي غداء اليوم الثاني قررت تلك الفتاة أن تأتيني بوجه متردد لتحكي لي قصة امرأة تحمل حزامًا ناسفًا تحت ملابسها شاهدتها على الشبكات الاجتماعية، متسائلة بأبشع الصيغ ظنًّا إن كنت أنوي القيام بتفجير جسدي بحزام ناسف في ليلة العشاء! والحقيقة أن سؤال فتاة التبت أربكني! وربما لو أن هناك إنسانا آخر غيري ربما كان أقدر مني على التقاط أطراف الخيوط ونسجها والتعامل معها بتماسك أفضل... لكن كلماتي المرتبكة والمصدومة هي سيدة المشهد... فقد كانت المواجهة الأولى التي أتلعثم فيها! وكانت المرة الأولى التي أعرف أن البشر في هذا العالم يخشونني إلى هذا الحد! كانت المرة الأولى التي أعرف أن أحدًا ما في جبال التبت يعتقد ويترقب فعلا إرهابيًا من قبل امرأة مثلي فقط لانتمائي الجغرافي! صمتي أمامها، وإنصاتي لحكايتها التي سردتها ألجمني.. فقد كانت مشحونة بالخوف مني والرغبة في مكاشفتي أكبر من قدرتي على التوضيح! كل ما استطعته أن أقسم لها بألاّ أفجّر ليلة العشاء وحمّلت هذا القسم ابتسامة حزينة لما آلت إليه حالنا لدى الآخرين! على أي حال أعتقد أن الثابتَ هنا، أن صورتنا العالمية مشوّهة وممسوخة تمامًا، وعلينا أن نستخدم الميديا بأنواعها لاستعادة جمالها وسماحتها، فنحن بحاجة ماسة لبث الصور السلمية للعالم! فقد كان من المحزن فعلا أن أبذل جهدي لإقناع فتاة التبت أني لستُ إرهابية، وألا أفخّخ جسدي في ليلة العشاء. [email protected]