ماذا سنفعل بعد نضوب البترول؟ كيف سنعيش في ظلّ هبوط أسعاره أو تجميد إنتاجه؟ لا بد أن أسئلة من هذا النوع كانت تدور في رؤوس الناس وتثير توجساتهم، لذلك كان التطلع كبيرًا ليوم إعلان رؤية السعودية 2030. لم يكن الشعب السعودي وحده هو الذي ينتظر طرح خطة التحوّل الوطني الموعودة، بل إن العالم كله كان يتأهب لسماع تفاصيل الرؤية ومفاصل الخطة، فاقتصاد السعودية متعالق مع الاقتصاد العالمي، وقد استفاد من الطفرات النفطية بقدر ما استفادت. طفرتان سابقتان حملتا إلى البلاد ومواطنيها عوائد مبيعات ضخمة لم تكن في الحسبان، فاجأتنا الوفرة المالية بحضورها وفرضت وجودها وشروطها دون استعداد لها. ولقد استفدنا من الثروات الريعية خير استفادة وتمكّنا بفضلها من وضع خطط تنموية كبيرة، لكن اعتمادنا المفرط على دخل البترول كبّل قدراتنا على التفكير في مداخيل أخرى بديلة أو مساندة، ونظرتنا إلى النفط على أنه مورد غير قابل للنضوب قلَّل من تحسّبنا للمستقبل. في يوم الإعلان المرتقب جلسنا في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في الرياض ننتظر دخول سمو الأمير محمد بن سلمان إلى القاعة، وما أن أطلّ علينا بوجهه الواثق وأسمعنا كلماته الواضحة وعرض علينا ملامح رؤيته المستقبلية التي تنضح حماسًا وجسارة وصدقًا حتى شاعت في الأجواء روح الأمل. الطفرة القادمة ستحل علينا وفق تخطيط موضوع بعناية، كل التفاصيل محسوبة وكل التحركات مرصودة: هذه المرة لا مفاجآت ولا حضور مباغت، هذه المرة لا تفكير في تسوية عاجل الأمور دون تسوية آجلها. لا قلق بإذن الله على مستقبل الوطن في ظل تحوّل يراهن على أبنائه. ربما أكثر ما تردد على لسان الأمير يومها هو أن الشباب السعودي المتعلم والمتأهل والممتلئ وطنية ورغبة في العمل هو من سيحمل على عاتقه مسؤولية تحقيق ذلك التحول. في كلمة الملك سلمان حفظه الله وردت هذه الفكرة بوضوح جلي: «آملين من أبنائنا وبناتنا المواطنين والمواطنات العمل معًا لتحقيق هذه الرؤية». وخلال المؤتمر الصحفي كرر الأمير تلك الفكرة، فالتحوّل يخصنا جميعًا: فهو خطتنا وحلمنا ورؤيتنا وجهدنا. في الطفرة القادمة سنكون مستعدين سويًا بهمّة وسواعد شبابنا المتحفزين للانطلاق حسبما توجهه الخطط المرسومة لهم، في الطفرة القادمة سيكون شباب البلد هم قوتها ومحورها وركيزة التحول والنمو والإنتاج، شركاء في رسم مسارات التقدم، شركاء في تنفيذها، شركاء في جني ثمارها. رؤية السعودية 2030 أوجدت البدائل للبترول في آفاق اقتصادية أرحب، ونوّعت مصادر الدخل بناء على توظيف إمكانات البلاد الاقتصادية والبشرية والاستفادة من طاقاتها، وسواء تحدثنا عن الصندوق السيادي الذي سيسيطر على 10 بالمئة من استثمارات العالم، أو عن اكتتاب جزء من شركة أرامكو، أو عن استحداث الهياكل الاقتصادية المصممة لاستيعاب مشروعات ضخمة، فالسعودية تنوي أن تتحول إلى قوة استثمارية عظمى. لكن النقلة الحقيقية في هذه الرؤية هي تحقيق طموحات الملك -حفظه الله- في سبيل تنمية سعودية شاملة، لا تحلّ فقط مشكلات الإسكان والبطالة وتؤمِّن مستوى معيشي مرتفع لعامة الشعب، ولكنها خطة إصلاح وترشيد متكاملة ونقلة جديدة تُصحِّح المسار التقدُّمي للبلاد، وتطال التعليم والصحة والسياحة والترفيه والثقافة. إنها السعودية الجديدة: سيري وعين الله ترعاك.