«القهوة لا تُشرب على عجل.. القهوة أخت الوقت تُحتسى على مهل.. القهوة صوتُ المذاق صوت الرائحة.. القهوة تأمُّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات».. محمود درويش * الخامسة صباحًا، حمام سريع يعمل كرابط ذهني دلالة على النشاط والحيوية، لذلك أتفادى أخذ حمام ليلي ما استطعت. أي شهية هذه التي تأتي في هذا الوقت من الصباح؟.. المتعة الوحيدة التي أجدها ما هي إلا قدح «إسبرسو» بإحدى الطرق التي أحبها.. الأولى من ماكينة تحضير حديثة أهدتني إيَّاها زوجتي بعدما عقدنا اتفاقًا بتوقُّف إهداء بعضنا أي ملابس! وهذه الآلة رمز للعصر المتسارع الذي نعيش فيه، فلا تحميص ولا طحن ولا يحزنون.. كل ذلك يتم مسبقًا، ويتم تعبئة القهوة في كبسولات مضغوطة ومحكمة الإغلاق لتحتفظ بالنكهة والطعم، فقط تضعها في المكان المخصص لها، وتكبس على الزر، فتنزل في الفنجان المسخن مسبقًا بواسطة سطح الماكينة الساخن باستمرار. ولمن يُحبُّون القهوة على أصولها فيضعون ماءً ساخنًا في الفنجان مسبقًا، لكي تظل القهوة ساخنة طوال وقت احتسائها. بعد ذلك يمسح الفنجان من أسفله من بواقي القهوة أو الماء.. وإذا أردت أن تفسد عليَّ اللحظة فقدّم لي فنجانًا يسبح في القهوة! لم أكن بحاجة إلى شراء آلة لتحضير القهوة في مكتبي، الذي هو بطبيعة الحال الطائرة! فالطائرات الآن مجهزة بآلات تحضير للقهوة، إلا أن بها عيبا بسيطًا، وهو أن حرارة الماء الساخن ليست بتلك الحرارة، خصوصًا لو وضعت في فنجان غير ساخن. وقد شاهدت على إحدى شركات الطيران المصرية غلاية ماء مثل تلك التي بالمطبخ في بيوتنا! فإخواننا المصريون لا يعبثون بحرارة الشاي «الكشري» في الكأس الشفافة التي لا بد وأن يتطاير منها الدخان! وحتى الآن لا زالت واحدة من أهم أمنياتي أن أحتسي قدحًا ساخنًا من القهوة على متن الطائرة! على عكس والدي -رحمه الله- الذي كان يتمنى أن يقف في طابور «ركاب بلا أمتعة»! إلا أن والدتي جعلته يقف في طوابير «الوزن الزائد»! أما الثانية فهي تُباع كمغلفات من إحدى المتاجر المشهورة التي تبيع القهوة بطريقة حديثة في أكواب ورقية، متجاوزة كل تقاليد الشاي والقهوة التي لو علمت عنها «ماري انطوانيت» لاختارت المقصلة على الحياة!