كانت القهوة العربية قيمة اجتماعية.. لها أوقات، وطقوس، وأدوات.. لها تاريخ وحكايات.. لها ثقافة، ومعايير اجتماعية. القهوة العربية مشروب ساخن.. مشروب نافر .. ك (لون) البشرة العربية.. تتوارث الأجيال إتقان صناعته، وفنّ تقديمه في (فنجان) خاص. القهوة العربية ذات أبعاد إنسانية.. يرى العربي الكرم من خلال (فنجان) القهوة الذي يقدمه للضيف.. ول (نفسه)، وقت التأمل، وانطلاق الأنفاس في الفراغ العربي الواسع. تعلمت فن تحميص القهوة في بيت أخوالي، الذين اشرفوا على تنشئتي.. في مرحلة أخرى، تعلمت إعداد القهوة.. أخيرا وصلت إلى مرحلة (صب) القهوة وتقديمها في مجالس رجال كبار القرية.. جزء من شرف حمل المسؤولية. هل ضاعت علوم القهوة العربية في هذا الزمن؟! هل أخذت القهوة العربية شهرتها مثل النفط العربي؟! هل ارتبطت القهوة العربية ب (الفراغ) العربي وضياع الوقت؟! ضاعت القهوة العربية.. ومازال الوقت العربي ضائعا، مع بقية الرموز الأخرى.. نبحث عنها، ولا نجدها، وهي جزء من الهوية العربية. نعدد مراحل صنع (فنجان) من القهوة العربية.. هناك قهوة عادية.. هناك قهوة خاصة ل (مجالس) الرجال الرسمية، لكن، هل كان ل (احتساء) القهوة أوقات؟! قهوة الفجر.. تشرب على الريق بعد صلاة الفجر.. قهوة الضحى.. وهناك قهوة العصر.. ثلاثة أوقات.. كسر القاعدة يتم حسب الظروف الاجتماعية. بداية.. لابد من شب الحطب، حتى يتحول إلى جمر .. تُهيّأ (المجرفة).. تُنظف ب (قطعة) قماش نظيفة.. أحيانا، يتم دهن (المجرفة) ب (وصلة) من شحم (مارعة) أو زبد، قبل تنظيفها.. توضع على الجمر .. تقدير حرارة (المجرفة) حسب الخبرة.. تجهز (طبخة) البن الأخضر المنقّى من كل الشوائب.. يجب أن لا يكون هناك حبة واحدة مكسورة.. لابد أن يكون البن متناسق الحبات.. تفوح منه رائحة (بنّة) زكية. توضع (الطبخة) في (المجرفة)، التي تعتلي الجمر.. يحرك (بنّ العرب)، ويقلّب ب (المحراك).. الأفضل أن تكون النار هادئة، وفي كامل اشتعالها يمكن حسب التقدير سحب (المجرفة) من فوق الجمر، وإعادتها.. في هذه الأثناء، يفوح عبق تحميص القهوة في المكان.. تتجلى حبات البن المحمص عن قشرها الذي يتحول إلى اللون الذهبي.. يتم طرده خارج (المجرفة) عن طريق نفخه بعيدا. بعد الانتهاء من تحميص البن حسب الدرجة التي تعود عليها العرب.. لا تخرج عن البني الفاتح أو الوسط... يتم وضع البن في مكان ل (يبرد).. يجب أن لا يكون هذا المكان قابلا ل (تكوين) بخار ماء على البن المحمص. يوجد ثلاثة أوعية (دلال) حول النار.. توضع على الجمر، في الخطوة التالية لتحميص البن، (دلّة) القهوة الكبيرة (الخمرة).. فيها ماء يغلي مع بقايا (حثل) القهوة السابقة.. هذه (الدلّة) لا تغسل.. يضاف الماء إلى أن تصبح غير قابلة لما يكفي لصنع (دلّة) القهوة.. وحتى يغلي الماء، يتم إعداد طبخة البن المحمصة.. توضع في (النجر) النحاسي (مهراس).. تدق حتى تصبح مسحوقا.. لا تصل إلى درجة النعومة. في هذه المرحلة، يبدأ الماء الذي في (الخمرة) أو (الدلّة) الكبيرة في الغليان.. عندها يوضع مسحوق القهوة في جوف (الدلّة).. يجب التأكد من عدم طفح الماء خارج الدلّة.. يترك تحت المراقبة.. يجب أن يغلي لفترة، حسب تقدير صانعها الماهر. في مرحلة تالية، تصب القهوة من (الدلّة) الكبيرة إلى (الدلّة) الثانية.. للتخلص من مسحوق القهوة المطبوخ، ثم تترك فوق الجمر، ل (زيادة) مدة غليان القهوة، تحت مراقبة شديدة، لتجنب فورة القهوة خارج (الدلّة). في الخطوة الأخيرة .. تأتي (الدلّة) الثالثة (دلّة الرسلان) النحاسية (المصفاة).. يوضع بداخلها (الهيل) المسحوق في قوام خشن.. ثم يوضع في مجرى مرور القهوة جزء من (ليف) النخل.. لتمرير ماء القهوة خاليا من بقايا مسحوق الهيل.. ثم تصب القهوة من (الدلّة) الثانية إلى (دلّة الرسلان)، التي تنقل القهوة مباشرة إلى الضيوف. فقد العرب الإحساس ب (لذة) صنع القهوة العربية.. كنتيجة، أصبح العالم يصنع قهوة العرب.. ويسوقها حتى في طرقاتهم وأسواقهم.. هل تعاني القهوة العربية من تغير المناخ العربي حتى في الكيف والمزاج؟!.