كان آخر لقاء جمعني بالسفير عبدالله حبابي، فقيد الدبلوماسية السعودية، في عيد الأضحى المبارك 1436ه، في كنف المفكّر السعودي الكبير معالي الشيخ أحمد زكي يماني، الذي دعاني وأسرتي، كما دعا الفقيد وأسرته، إلى مأدبة غداء في داره العامرة بلندن. أمّا بداية معرفتي بالسفير الحبابي فتعود إلى أكثر من ربع قرن، فقد حدّثني عنه كثيرًا ابن عمة الوالد الأستاذ محمد حسن أبوشنب، الذي عمل معه لفترة في البرازيل حين كان الفقيد سفيرًا للمملكة في البرازيل لمدة عشر سنوات. وقد وصفه الأستاذ أبوشنب -رحمهما الله- برجل الدبلوماسية القوي، صاحب الخبرة الطويلة، وحدَّثني عن تنامي العلاقات السياسية والاقتصادية بين المملكة والبرازيل في تلك الحقبة، ولم يُكتب لي أن أراه رؤية العين إلاَّ في دار معالي الشيخ أحمد زكي يماني بجدّة قبل أكثر من عشرين عامًا، إذ كان -رحمه الله- يدأب على زيارته دون انقطاع، وصولاً إلى الفترة التي ساء فيها وضعه الصحيّ، وأُقعد، وكان أحد أبنائه البارّين يصحبه بكرسيّه المتحرّك ليزور صديق عمره، رغم مرضه وآلامه وقتها، التي تعتصر قلبه. وكانت تجمع الأخوين المتحابّين مودة أخوية، ويردّد معالي الشيخ يماني دومًا أن عبدالله حبابي هو أقدم صديق له، إذ تعود صداقتهما في مكّة إلى مرحلة الدراسة الابتدائية، في المدرسة الرحمانية. ويمكن وصف الفقيد بأنّه كان سفيرًا فوق العادة، فقد أسلفتُ أن العلاقات بين المملكة والبرازيل تنامت في الفترة التي كان فيها سفيرنا في البرازيل لعشر سنوات، فقد تصاعد فيها حجم الصادرات السعودية للبرازيل. وسياسيًّا كان للبرازيل وقتها مواقف مشرّفة تجاه قضية فلسطين، وقد سبقت دولاً كثيرة بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيدًا للفلسطينيين، مع مطالبتها بنَيل الفلسطينيين حقوقهم المشروعة. وخلال فترة سعادة السفير حبابي شهدت البرازيل عدّة زيارات من مسؤولين سعوديين كبار، في مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله-، ويُذكر أن الحكومة البرازيلية -وقتها- قدّمت عقارًا مساحته أربعون ألف متر مربع لتقيم عليه المملكة المركز الإسلامي، ومسجد برازيليا. ونظرًا لتجربته الطويلة في الحقل الدبلوماسي، فإن الحبابي -يرحمه الله- يُعدُّ من أبرز رجال السلك الدبلوماسي السعودي منذ بداية تأسيس وزارة الخارجية، وكان -يرحمه الله- مهتمًّا بالشأن الأدبي والإعلامي، وقد حضرنا معًا، وشاركنا معًا في احتفالية جائزة شاعر مكّة محمد حسن فقي في القاهرة، التي تموّلها وتشرف عليها مؤسسة يماني الثقافية الخيرية. وذلك على مدى سنوات، كما كانت له -رحمه الله- مشاركات صحفية مهمّة منها عموده الذي كان يكتبه على مدى سنوات في صحيفة عكاظ. ونظرًا لأهمية هذه الشخصية الوطنية، فإني أدعو لجنة تسمية الشوارع والميادين بمحافظة جدّة، برئاسة معالي الدكتور المهندس هاني أبوراس، لتسميه شارع مناسب بجدّة باسم السفير عبدالله صالح حبابي، أسوة بسواه من رجال هذا الوطن من الأعلام المخلصين. [email protected]