كلما تذكرت أمي أشعر بها في داخلي. شيء يخصها يرتبط بعلاقتي بها، صوتها أسمعه يبحث عن مدرج للهبوط فوق روحي. ملء السمع والبصر وفؤادها حاضراً وغائباً. قالوا لي إن زيارة القبور مُحرَّمة للنساء. لكن زيارة مكة تعني العبور من أمام قبور المعلاة، أشعر أن الطريق يئن من الذين عبروا عليه. أتألم على طريقتي دون أن يحس بي أحد، أتجه نحو قبور المعلاة بوجداني بكل حنيني وأبحث عن قبر أمي من خارج الأسوار الحديدية.. خدر جميل يذوب في أعصابي.. حتى ابنتي تردد نصائحها ومقولاتها وتستشهد بها في حديثنا. يخونُني اللفظ ويتمرّد عليَّ القلم، وتتعثر في صدري آهةُ الكلام عن ست الحبايب. في زيارتي لمكة تتهاوى صلابتي، وتنتشر الغصة في حلقي.. للصمت حصة كبيرة في إضفاء الوحشة والوحدة على قبرها من الخارج.. صمت المكان في طريقي لرؤية قبرها، ربما أبحث عن زيارتها بطريقتي، ربما أُحادثها بلا صوت. كم افتقدتكِ يا أمي عن قرب، أستعيد عباراتك ونبراتك ونصحائك وفخرك بى أن أول ابنة في العائلة "ترطن" بالإنكليزي، استسلم للذكريات الحية التى لا تموت.. تتصاعد رائحتها من القبر في كل زيارة لمكة، لذلك أحرص على فتح الشباك منذ دخولى أبوابها أستعيد طيفها في بيت العائلة وذكرياتها، وكيف لا يسعني ألا أتذكرك وأنت غائرة في الروح والقلب.. أنظر إلى طرف غرفتك.. أتفحصها فكل شبر فيها يثير شيئاً دفيناً في النفس.. لقد توقّف التاريخ في هذه الغرفة عند جبينك يا أمي. في زيارتي لبيتنا في مكة أجد أختي خديجة يعبرها نهر ناري من الألم، تحاول أن تجتر ذكرياتك بالحديث عنكِ، فأتذكر دائماً عندما تفقد الأمل وتعتقد أنها النهاية -تأكّد أيها القارئ أنها مجرد منعطف، وأنها ليست النهاية- وأستعرض أياماً مرّت معاً خطفاً؛ عندما عاتبتني أمي على غيابي، وتحججتُ بأعذار امتحانات الأولاد، أتحسّرُ على ذلك الزمن بحرقة، كيف أعوّض مسافات من الزمن سرقتني عن لقاء الحبيبة بعض الأحيان، أتوهم أن من يموت يعود! أمنية مستحيلة. ستظلين في وجداني يا أمي. [email protected] [email protected]