ليس على لسان المجتمع اليوم حديثًا سوى ما تقوم به الجهات الرقابية في الأمانة من جهود مشكورة لحماية صحة المواطن. فالمجتمع كله يعيش بين الدهشة والصدمة، والخوف والحيرة، واللوم والشكر. فأما الدهشة والصدمة، فلأنَّه لم يتصور يومًا أنَّ تلك المطاعم الفخمة، التي كان يرتادها هو وأهله وصحبه في أرقى المناسبات، هي مطاعم خدَّاعة تتزين بديكورات راقية، ويلبس طاقمها أرقى الملابس، لكنها تخفي خلف مساحيقها البرّاقة وجهًا بشعًا هو أشبه بمصاصي الدماء، فمن لحوم متعفّنة، إلى مواد منتهية الصلاحية، إلى عمالة لا تلتزم بأدنى مقومات الصحة والنظافة. صدمة أن يكتشف الإنسان أنّه يدفع مبالغ طائلة ليشتري المرض له ولأحبابه، صدمة أن ترى آدميتك لا تُحترم، وإنسانيتك تُهان، صدمة أن تُرتكب كل هذه المهازل في ديار تربّى أهلها على الدِّين والأخلاق، وقرأوا آلاف المرات (ويلٌ للمطففين). والمجتمع أصبح مُصابًا بمرض الخوف ووسواس المطاعم، فهو يتوجس خيفة من أمراض قد تكون ترعرعت في جسده، وسكنت فيه وعششت، حتى امتلأت المستشفيات بالمرضى، وظهرت غرائب وعجائب الأمراض، مما زاد نسبة الوفيات. والمجتمع في حيرة من كيفية تغلغل الغش إلى هذا الحد، حتى تأصل في المجتمع وغدا وكأنَّه ركيزة من ركائزه؟ فما ننام لسويعات حتى نستيقظ على قائمة جديدة مطوّلة من المطاعم الشهيرة التي ترتكب أبشع المخالفات. الحيرة التي باتت تُقلق النفوس تتساءل: هل طغت المادة على النفوس البشرية لحد التضحية بالأرواح؟ أو هو الإهمال والاتكال على العمالة الوافدة، ورمي الحِمل عليها؟. إنَّ العمل أمانة، فليست التجارة أن أفتح مشروعًا تجاريًا يتعلَّق بصحة وحياة الّناس ثم أهمله، ويصبح الهدف الأساس هو الحصول على الأرباح آخر كل شهر. رحم الله آباءنا، فقد عملوا طبّاخين ونجّارين وحلّاقين ومزارعين، لكنَّهم كانوا يقفون على أعمالهم بأنفسهم، ولا يغفلون عن تجارتهم، بل يُديرونها ويراقبونها عن كثب. والناس في حيرة من أمرهم، فإذا كانت هذه المطاعم الراقية قد خرجت بهذا الكم الهائل من الفضائح المزرية؟ فكيف هو الحال في المطاعم والمطابخ الشعبية في الحواري والأزقَّة؟ بل كيف هي المطاعم في القرى والهجر؟ فالعناية يجب أن تمتد خارج المدن الكبيرة. أمَّا العَتَب فهو في ترك الأمانة لمهمتها الرقابية والتفتيشية كل هذه السنوات، حتى امتلأت البطون بعجائب الآفات. والعَتَب للجهات المعنية التي تُعقِّد معاملات استقدام العمالة الكافية لبعض المطاعم، وتضع في طريقها العثرات والعراقيل، ثم تتم معاقبتها بالإهمال. كما يجب أن نتنبّه إلى أنَّ بعض المراقبين، ربما يلجأ إلى التضخيم والمبالغة من أجل الحصول على مكافأة مالية جراء رصده لمخالفات أكثر. لكن هذا العَتَب المُوجَّه للأمانة ممكن أن نمحوه ونتجاوز عنه، إذا ما استمرت الأمانة في عملها الرائع، كما نُقدِّم لها أسمى آيات الشكر على يقظتها واهتمامها بصحة المواطنين. [email protected]