من أبرز المعايير التي تقاس بها حضارة الأمم وتقدمها معيار النظافة المتمثلة في نظافة الشوارع والمستشفيات والمؤسسات الحكومية والخاصة والمطاعم والحدائق والشواطئ والمطارات والموانئ وحتى نظافة البشر.. وبإسقاط ذلك المعيار الحضاري الهام جداً على الواقع الذي تعيشه مدينة جده نجد أنه سيختلف كثيراً كونه سيكشف الكثير من جوانب الخلل والقصور في كل زاوية من زوايا المدينة ،فعلى سبيل المثال لا الحصر لأن الحصر سيطول ويتشعب ولاتكفيه مثل هذه المساحة فنقول: إن ماقامت به الأمانة أخيراً من حملات تفتيش لبعض المطاعم الفاخرة والعالمية قد أدى الى إغلاق العشرات منها وبرز حجم ذلك التسيب في جانب النظافة وعدم حرص القائمين عليها بعد أن جعلوا مطاعمهم مأوى لكافة الزواحف والحشرات ،ولعلي هنا أطرح تساؤلاً عريضاً على الأمانة وهو : اذا كان هذا حال تلك المطاعم التي نعدها فاخرة وتتقاضى أعلى الأسعار فكيف بالآلاف من المطاعم الشعبية التي تنتشر في كل زاوية من زوايا المدينة ويندر أن يصلها مفتش الأمانة بالإضافة الى الباعة المتجولين الذين لا يخضعون لأي رقابة . وفي جانب آخر نجد أن ذلك الحال من سوء النظافة يتمثل في شوارع المدينة حيث نراها تعج بالكثير من النفايات المتراكمة التي أهملها عمال النظافة بعد أن انشغلوا بالتسول نتيجة لإهمال الشركات القائمة عليهم بتركهم يتضورون جوعاً وعطشاً كون مخصصاتهم المالية الشهرية لاتكفي لقيمة وجبة غداء أو عشاء للكثير منا ،وقد ترتب على ذلك خمولهم وتسيبهم وضمور نشاطهم بالإضافة الى سوء ادارتهم ولعل ذلك الحال المتردي من النظافة قد ترتب عليه انتشار البعوض بصورة لافتة وغير مسبوقة الذي أصبح في تكاثر عجيب وأصبح يزاحم الذباب في انتشاره كون الذباب الكثيف أصبح حالة مستدامة في الكثير من أحياء المدينة كما ترتب على ذلك التردي في حال النظافة تنامي انتشار الحشرات و القوارض وخاصة في الحدائق ذات الحال المتردي جداً في صيانتها والشواطئ البحرية غير المهيأة وأماكن تجمع النفايات التي لا يخلو منها شارع من شوارع المدينة ، كما انتشرت المستنقعات الآسنة والحفر والمطبات التي امتلأت بها شوارع المدينة نتيجة لسوء تنفيذ المشاريع بها . أما القضية المستفحلة التي عجزت الامانة عن إيجاد الحل لها فهي عدم القدرة على استقبال المدينة لغشقة مطر حيث نراها بعدها تتحول الى مدينة أشباح يخاف التجول بها السكان خوفاً من المرور بنفق لم يتم تصريف مياهه أو حفرة غير مردومة تبتلع العربات بمن فيها أو مستنقع يحدث الكثير من التلفيات بالعربات . ولعلي بعد تلك الأمثلة المنتقاة من الكثير من سلبيات عمل الأمانة أقول : إن الدولة لم تقصر في دعم الأمانات بالميزانيات الهائلة بالإضافة الى محصلاتها اليومية كالرسوم والمخالفات. ولعل الدولة عندما اختارت مسمى الأمانة لهذا الكيان الهام جداً في مسيرة الحركة التنموية فإنما اختارته ليكون دافعاً للعمل المخلص ونبراساً لمسيرة تحفها قيمة الخوف من الله وحسن الانتماء والمواطنة في كل عمل تقوم به ،لكن ذلك وللأسف الشديد لم يتم كما أرادت القيادة وفقها الله ، وهذا ما يستوجب عليها - أي الأمانة- أن تعيد النظر عند تنفيذ مهامها وفي تنفيذ خططها البعيدة والمتوسطة والقريبة كما تعيد النظر في آلية تنفيذ مشاريعها من حيث الجودة وأن لا تركن الى التنفيذ من خلال مقاولي الباطن الذين أراهم أحد أهم الاسباب المؤدية الى سوء التنفيذ ،كما أتمنى أن تهتم الامانة بإيجاد مسارات المشي المهيأة في كل حي من الأحياء وأن تهتم بتغطية مجاري السيول كونها تعد مصدراً لاينضب لتنامي كافة الأمراض والحشرات وأخص مجرى السيل الذي يخترق حي الصفا 9 الذي أراه أصبح مصدراً للتلوث في غاية الخطورة . والله من وراء القصد .