شملت تداعيات كارثة جدة جميع الأحياء وخلفت وراءها الكثير من الأضرار، وفوق هذا ازدادت كثافة الحشرات الناقلة للمرض في الأحياء المنكوبة بعد أن تحولت الشوارع والميادين إلى مستنقعات تقلق الأهالي. وفيما يحاول سكان حيي الجامعة ومدائن الفهد التقاط أنفاسهم من أيام صعبة وقاسية عاشوها مع تفاصيل الكارثة، وجدوا أنفسهم أمام النقص الحاد في كثير من الخدمات، إذ لا تزال الأنقاض تتربع في طرقات أحيائهم ومنازلهم تشرف على مستنقعات مائية تغطيها الحشرات الناقلة للمرض، كما لا تطبق المحال التجارية الكثير من الاشتراطات الصحية، نتيجة غياب الرقابة بحسب سكان الحي. ويأمل الأهالي من الأمانة أن تتصدى لمسؤولياتها تجاههم في إزالة الأنقاض وتكثيف عمليات الرش للقضاء على البعوض والذباب والحشرات الناقلة للأمراض والتي اتخذت من الحيين موطنا خصبا لتوالدها. وقالوا ل «عكاظ»: عدنا إلى منازلنا بجهودنا الذاتية التي بذلناها، حيث أزلنا الطين والمخلفات منها بمساعدة بعض الجمعيات الخيرية، ونأمل من شركة الكهرباء معالجة مشاكل عداداتهم القديمة كي لا تتسبب في كوارث محتملة. ويقول إبراهيم العداوي (من سكان حي الجامعة)، المياه الراكدة تنذر بالخطر والذباب يتطاير في كل أرجاء الحي، إضافة إلى وجود فئران وقطط ميتة، كما أن طفح المجاري وتناثر القمامة على جوانب الطرق أصبح منظرا مألوفا كل يوم، وكأننا في جزيرة نائية. ويشير عداوي إلى أن العديد من الجاليات الأفريقية المخالفة يسكنون في منازل عشوائية نتيجة تضرر منازلهم ما ساهم في تصعيب مشكلة أبناء الحي، مبينا أن منزله الذي أغرقته الأمطار هبط نحو متر ونصف عن مستوى سطح الأرض، ما أجبره على الانتقال وأسرته إلى أحد مراكز الإيواء، الذي تطالبه إدارته بالخروج منه بحجة عدم حصولهم على أمر من الدفاع المدني. وأفاد أنه في اليوم التالي لزيارة هيئة حقوق الإنسان والمجلس البلدي في محافظة جدة ورئيس بلدية الجامعة، جاءت إلى الحي بعض آليات النظافة واستمر عملها ست ساعات، لكنها لم تعد في اليوم التالي، رافضا العودة إلى منزله في ظل هذه العشوائية والمخلفات والذباب المتطاير خوفا على أفراد عائلته. وقال مسفر الحربي (أحد سكان الحي): إن الأمانة لم تنفذ سوى عملية رش واحدة، بعد أن أتمت الآليات جرف الطين، ما أدى إلى انتشار الحشرات الضارة والذباب الذي أصبح داخل منازلنا؛ مسببا في إيجاد بيئة صحية مقلقة. ولم يكن وضح نافع مبروك أفضل حالا من ساكني الحي، وقال: إن العيش في منزل مليء بالذباب لا تطاق، مشيرا إلى أنه سيعود إلى ممارسة الصيد لتأمين معيشة أسرته. وانتقد مبروك المعيشة في مراكز الإيواء، مشيرا إلى أنها تفتقد إلى الكثير من الخدمات العادية التي تحتاجها الأسر. وتقول حليمة إبراهيم (أرملة): حصلت على مساعدات غذائية عن طريق إحدى الجمعيات الخيرية، لكنني لا أزال غير قادرة على إيجاد مكان لنومي وأطفالي الأربعة، إذ تحتل الرمال والأتربة غرف منازلنا في حي الجامعة، مضيفة أنها عندما طلبت من الجمعية الخيرية صرف أغطية للنوم وعدوها بتلبية طلبها فورا، لكنها لم تجد أيا منها على أرض الواقع، فيما الذباب يغزو مقارنا. ورصدت «عكاظ» وسط الحي أطفالا لم يتجاوزوا الثامنة من أعمارهم يلعبون وسط مياه الأمطار الملوثة تحيط بهم الحشرات من كل جانب، في أزقة ضيقة لا يصلها الهواء النقي، معرضين أنفسهم للخطر. ويطالب أكبر غلام من الجنسية الباكستانية بحماية الأطفال في الأحياء التي تضررت بالسيول، مشيرا إلى أنه يسكن في حي كيلو خمسة، أصبح منظر الأطفال مألوفا وهم يلعبون بالمياه القذرة، مشددا على أهمية تجفيف تلك المستنقعات ورشها بالمبيدات الحشرية. من جانبه، يشير متطوع في الجمعية النسائية الخيرية الأولى أحمد القحطاني إلى أنه ومن خلال المسح الميداني لحيي الجامعة ومدائن الفهد تفاجأ بوجود عمالة مخالفة غالبيتهم من الجاليات الأفريقية. وأبدى القحطاني الذي رافق «عكاظ» في جولتها، استغرابه من عدم تشديد الرقابة على حيي الجامعة ومدائن الفهد، مضيفا أنه رصد منزلا شعبيا يقطنه أحد العاملين وبداخله عربات لقلي البطاطس التي تتجمع حولها الحشرات والذباب ويبيعها على أطفال الحي. وقال القحطاني إن أغلب المتطوعين من زملائه لمباشرة أعمالهم في حيي الجامعة ومدائن الفهد هربوا منذ أول يوم إلى أماكن أخرى خوفا على صحتهم من الأمراض نتيجة التلوث. وأكد مصدر طبي تحتفظ «عكاظ» بأسمه أن الذباب الأزرق يتغذى على الجثث بعد أن يضع يرقته فيها ويحمل على أجنحته وأرجله آلاف المايكروبات التي تصيب الأشخاص ذوي الأجسام الضعيفة بأمراض خطيرة قد تتطور مع مرور الأيام.