تركتُ كلَّ ما في يدي من قراءات -مؤقتًا- لأتفرّغ لقراءة ترجمة كتاب: (انتقام التاريخ) للكاتب شيموس ميلن Seumas Milne بعنوان: (The Revenge of History: The Battle for the Twenty First Century)، يتعقّب فيه آثار نظام "السوق الحر" الذي باء بالفشل، ويكشف قبضة النفوذ والموارد التي وراء التدخلات العسكرية الغربية، ويوضّح سرّ صعود الاقتصاد الصيني، ويسلّط الضوء على التغيّرات الاجتماعية التي بدأت في الظهور في أمريكا اللاتينية. *** وما جذبني لقراءة هذا الكتاب في المقام الأول، هو التدهور الأخلاقيّ الذي تعيشه الولاياتالمتحدة، والذي هو عنوان السياسة الأمريكية منذ القِدَم، لكنّه ظهر بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الماضية، وتبدَّى في منطقتنا العربية في غزو العراق عام 2003، وإن كان التاريخ الأمريكي الأسود ممتدًا لسنوات طويلة مع حروبها في كوريا، وفيتنام، ومؤامراتها في كل بلدان العالم شرقه وغربه لتغيير الحكم الوطني في دول كثيرة بحكم يتلاقى مع أهداف وأطماع واشنطن في الهيمنة السياسية والاقتصادية على العالم. *** وقد جرّني تقرير ال(سي آي إيه) الأخير عن حرب العراق، وتزوير حكومة بوش الابن المبررات لتسويغ غزو العراق، ثم صدور تقرير "أساليب الاستجواب والاعتقال"، التي استخدمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، ليكشف عن وجه آخر من أوجه الممارسة اللاأخلاقية الأمريكية في التعامل مع مَن تتّهمهم بالإرهابِ.. ثم ما جاء في كتاب شيموس ميلن من استعراض أمثلة متعدّدة للممارسات الأمريكية وجد فيها أن الحرب على الإرهاب، على الطريقة الأمريكية، هي بداية النهاية ل"النظام العالمي الجديد"، وللهيمنة الأمريكية على العالم، جرّني إلى ربط الأحداث بعضها ببعض، والتأمّل في طروحاته حول نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم. *** كان شهر أغسطس من صيف عام 2008، كما يرى شيموس ميلن، بداية النهاية.. وكانت جورجيا الصديق التابع لواشنطن، والجمهورية السوفيتية سابقًا، هي المكان الذي أعلن الهزيمة الأمريكية، حيث تحدّت موسكوواشنطن، وأخرجت جورجيا من براثن الهيمنة الأمريكية، و"انتهى زمن القوة الأمريكية المسلّم بها، ودعت روسيا إلى وقف هذا التوسع الأمريكي بلا هوادة، وبرهنت على أن أوامر الولاياتالمتحدة لا تسري على الجميع". *** وبعد أن كان عام 1990، الذي انهار فيه الاتحاد السوفيتي، وأعلن فيه جورج بوش الأب "النظام العالمي الجديد"، كان عام 2008، كما يرى شيموس ميلن، بداية الانهيار الأمريكي. وكان رد فعل الولاياتالمتحدة على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في عهد بوش الابن، العامل الأكبر الذي قوّض النفوذ الأمريكي، وأزال الشعور بأن الإمبراطورية العالمية الأولى لا تُقهر، ولم تفشل حرب بوش على الإرهاب فحسب، بل فرّخت الإرهابيين في أنحاء العالم الإسلامي، وما سواه!! * نافذة صغيرة: (الإرهاب هو مسخ أو "فرانكشتين الأمريكي" صنعته واشنطن للقضاء على خصومها.. فلمّا قويت شوكته تحوّل إلى نقمة على مَن صنعه، وارتدّ ليفتك بالجميع!!).. عبدالعزيز الصويغ. [email protected]