* لكل إنسان في الحياة (هواية) تلازمه منذ صغره، وتظل مواكبة لمسيرة حياته حتى مماته.. وأعني بذلك (الهوايات المباحة). * والهواية التي (عشقتها) ولازمتني صغيرًا هي (القراءة)، وقد عانيت في سبيلها (ماديًا) ما جعلها تستخوذ -أحيانًا- على مصاريف البيت.. وكنت أنا وأمي -رحمها الله- في أخذ ورد بالنسبة لاقتناء الكتب.. فهي ترى أنني أُسرف في شرائها، وأُقلِّل من مطالب البيت.. وكنت أُداعبها في محاولة إقناعها بأن الكتب وسيلة داعمة لتنمية المواهب وتغذية العقول والأفكار.. فتقتنع تارة وتارة تعاود المعارضة، خاصة إذا رأتني أحمل بعضًا من الكتب.. وأكاد أخفيها عنها احترامًا لمشاعرها. * وكنت وبعض زملائي المهتمين بالكتب والكتابة نتنافس في البحث عن الكتب ذات الصلة بهواياتنا الأدبية ولا نجدها -أحيانًا- وإذا وجدت كانت بأسعار عالية القيمة ولا مجال لاستعارتها. * وكانت توجد مكتبة في وسط سوق الطائف يطلق عليها (مكتبة السيد)، تعنى ببيع وشراء الكتب القديمة والمستعملة، وكنا نتردَّد عليها فنجد فيها -أحيانًا- ضالتنا من الكتب القديمة والمستعملة بأسعار مناسبة. * وقد كوّنت مكتبة صغيرة بداري احتوت على عدد لا بأس به من الكتب الأدبية، وما له علاقة بشؤونها، إضافة إلى ما يُهدَى إليَّ من كتب أخرى ودوريات أقضي فيها بعض الوقت (قارئًا وباحثًا ومستأنسًا)، فأجد في ذلك راحة ومتعة وفائدة فكرية واستثمار الوقت فيما يفيد، وخاصة في مرحلة التقاعد ذلك الرفيق الأنيس، وصدق المتنبي حين قال: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب * وقد احتجت ذات مرة إلى كتابين قديمين لم أجدهما في المكتبات، فسألت السيد صاحب المكتبة المشار إليها آنفًا قال لي إنه رأى مجموعة من الكتب القديمة عند شخص في حراج الخردة، اذهب إليه وفتّش فيها ربما عثرت على مطلوبك. فسارعت إليه ووجدت الكتب، وبعضها لا يخلو من تمزيق وعبث، ومنها ضالتي المنشودة وكتب أخرى أذكر أنني قرأتها وأحد زملائي في المرحلة الابتدائية.. وساومته في الكتابين المطلوبين فقال ب(300) ريال آخر كلام. وتحت وطأة الحاجة اشتريتها بالمبلغ المذكور وقلت له هذه (150) ريالًا، والباقي غدًا إن شاء الله، لكنه رفض وللحاجة أعطيته رهينة ريثما أُسدّده الباقي. هذه واحدة من معاناة اقتناء الكتب والبحث عنها في حياة عاشق القراءة والكتابة، وقديما قيل: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها * وجملة القول: فقد عوضتني هذه الهواية عن أشياء كثيرة في حياتي، فهي مدرسة كبيرة جامعة لكل الثقافات والعلوم والمعارف والآداب، تخرج فيها العديد من أساطين القول وجهابذة المعرفة، وهي كالنهر الجاري الذي لا ينضب معينه بالنسبة لعاشقيها.