لستُ مع الذين يقلّلون من شأن جائزة "أفضل عمدة" التي ينافس أمين جدة على نيلها ضمن 26 عمدة من مختلف دول العالم ببريطانيا الشهر المقبل .فالجائزة تقدمها "مؤسسة عُمد المدن الخيرية بلندن" للعُمدة الذي يحقق مساهمة متميّزة لمجتمعه أو طوّر رؤية متقدمة للمعيشة والعمل في مدينته. ولأن في جدة أكثر من عمدة يمارسون مهامّ غير مهامّ نظرائهم في الدول الاخرى فقد أحسنت الأمانة في ترشيح أمينها ممثلا لكل العُمد. وبما أن الجائزة خيرية فأعتقد أن "عُمد جدة" هم الأجدر بها تقديرًا لعصاميتهم وتضحياتهم فقد قدموا رؤى رائعة، مكّنوا سكانها من التعايش والصّمود مع كل الظروف الصعبة التي مرّت بمدينتهم الحالمة. جدة مدينة محظوظة، انفردت بالكثير من الأولويات التي تؤهلها للمنافسة على كل جوائز العالم العصامية والخيرية. فهي أول مدينة تستورد أمانتها 9 آلاف غراب لخلق التوازن البيئي.. وأول مدينة تستوطنها حمى الضنك.. وأول مدينة تشيّع 120 ضحية في كارثة السيول.. وهي المدينة الوحيدة التي تتحوّل أنفاقها وشوارعها وأحياؤها كلما أمطرت السماء، إلى مناطق حرجة ومسابح مفتوحة، وصلت هذا الاسبوع إلى 712 مسبحًا لا مثيل لها في العالم. جدة مدينة تحدّت كل الآثار البيئية رغم أن الصرف الصحي لا يخدم إلا 27 % من أحيائها. من جدة انطلقت حمى الكورونا، إلى بقية المدن ومع ذلك مارس سكانها وعُمدها حياتهم بشكل طبيعي على ضفاف أول كورنيش من نوعه تتعايش فيه الفئران والصراصير مع الزّوار و600 مصبّ تتدفق منها المياه والمخلفات بمئات الألوف من الأطنان. هي العروس العنيدة التي قاومت هذا الأسبوع حلول تصريف السيول بشراسة وعانت 20 ملم من الأمطار من الوصول بسهولة إلى أنابيب المليارات ومشروعات التصريف والحماية. لتثبت لكل دول العالم أنها عروس متمرّدة متبخترة، لا تستهويها المساحيق وجراحات التجميل. في جدة 52 حيًا عشوائيًا ومنطقة صناعية يطلّ عليها أسوأ مطار في العالم وفيها أول جمعية من نوعها تسمى جمعية أصدقاء الحفر، وأخرى لسلفي ضحايا الحفر. هنا فقط تبتلع البالوعات الناس وتلفظ المطر! عتبي على كل "المتوترين" الذين يقولون: إن الطاسة ضائعة في جدة لأنهم لا يرون الاّ النصف الفارغ من شوارعها. كلّ ما أتمنّاه أن تكون لجنة التحكيم منصفة، وأن تمنح "عُمد جدة" وسكّانها والأمانة هذه الجائزة، فهم يستحقونها بجدارة وامتياز.