* في خضم ما يعرضه العالم الغربي في بلدانه عن صخب وضلالة أعمال وأفكار القاعدة في كل مكان، وطئت أقدام مناصريها فيها، وتسللت عملياتها والمضللون إليها.. وكذلك دوي ودموية وشراسة (داعش)، وبشاعة ما يشهده الشارع الغربي والمواطن الديمقراطي البسيط من أعمال إجرامية وممارسات لها ضد كل جنس وطائفة دون اكتراث أو بصيرة أو تحقق، فضلاً عن قتل غير المسلمين مثل الصحفي جيمس فولى في سوريا، والذي كان اغتياله عملاً بشعًا غير مبرر في أي شرع أو قانون إلاّ قانون الغابة، ثم ما يصل إلى العالم الغربي ويتواتر إليه عن تفجيرات وقنابل (الإخوان المسلمين) في مصر.. وفي بعض الدول الأخرى.. في خضم كل ذلك ارتسمت صورة سلبية في أذهان المواطن عندهم عن أي دولة، أو منظمات إسلامية وهي صورة سوداء قاتمة، لم تسئ إلى العالم الإسلامي وكثيرًا من الدول الإسلامية المعتدلة فحسب، بل تخطته إلى وصم الدين الإسلامي الحنيف البريء من كل دناستهم بالإرهاب، والعنف، والدموية، والديكتاتورية!! * فهل يدرك أولئك النفر ما صنعوه من جرم وإساءة بالغة للإسلام والمسلمين؟! إنهم لم يسيئوا إلى أنفسهم وبلادهم فحسب، بل أساءوا إلى الإسلام الدين الحنيف الوسط الذي جاء رسالة سامية عظيمة، بعث الله جلّ في علاه سيدنا محمدًا ليحملها متممًا لمكارم الأخلاق، داعيًا ومحققًا للسلام والعدل، وهو ما شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، غير أن هذه الشرذمة لم تفكر لحظة فيما قامت به من تشويه للصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم.. في الوقت الذي كان ثمة نفر في الغرب في خضم حرب غزة وإسرائيل، وهجوم الأخيرة البشع دون تكافؤ في القوى والفرص والدعم، يكاد يتعاطف مع الفلسطينيين ويعيد حساباته في دعم إسرائيل، وهو ما كان ينبغي للمسلم الحقيقي التفكير فيه، فنحن مطالبون اليوم لإعادة رسم الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين والدفاع عنهم في كل محفل. * كان هذا جانبًا من حديثي مع بعض الفرنسيين والألمان في زيارة خاصة لي، وكنت في موقف لا أحسد عليه؛ لأن كثيرًا من نقاط القوة في محاولاتي للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإعادة ترتيب المشهد الإسلامي الصحيح كانت تضعف أحيانًا إزاء ما ينقله الإعلام الغربي عبر وسائله هناك، فضلاً عن ممارسات بعض المتزمتين وشذوذهم في ظواهر التكفير التي صارت دأب كل حزب ومنظمة ومجموعة وهيئة سياسية والأفراد فيها قذفًا في الآخر، وتكفيره، والفتوى بقتله، وهي ممارسات حظيت في جوانب منها لمنظمات بعينها -بكل أسف- بدعم بعض الدول الغربية لبث روح الفرقة بين الأمة الإسلامية، الأمر الذي أوقعهم في تأجيج نار التطرف، وحصد الإرهاب الذي لن يطال العالم الإسلامي فحسب، بل سيصل إلى بلدانهم. ولعل خبايا ما ورد في تقرير راند الأمريكي تكشف حقيقة هذه النوايا والأهداف التي سعى -ولا يزال- الغرب إليها في سبيل بث الصراع بين جميع أطياف التوجه الإسلامي، عن طريق دعم طرف ضد آخر.. غير أن الأمر قد استفحل، ويبدو أنه قد خرج عن مسار خارطة طريق الشرق الأوسط الجديد الذي أرادوه، لكن الله يفعل ما يريد سبحانه وتعالى.. ولقد تركوا الأمر في سوريا لتصحح الأوضاع نفسها، وتتصارع الوحدات المجاهدة إلاّ أن بيئتها قد أفرزت الفكر الضال المتشدد في مخاطرة أنتجت (داعش) التي خرجت من عباءة الإرهاب والتطرّف، وكان يمكنهم استدراك مخططاتها وهي في مهدها في الشام قبل التوجه إلى العراق، والسعي للتوسع وتأجيج نار الصراع.. وربما يكشف كيسنجر في كتابه الجديد (بؤر ملتهبة في العالم) جانبًا من ذلك المخطط. * وفي حواري مع أولئك الأجانب لا أنكر الاعتراف بأن الصورة للمسلم الملتزم قد تغيرّت في الذهنية العالمية.. ليس في الغرب فحسب، بل حتى في مقر ديار الإسلام والمسلمين في المناطق العربية! فقد صار الكثير في المطارات والبلدان يخشى المسلم الملتحي، مع أنها سمة التزام وصلاح، وتلك إحدى إفرازات وعواقب ما قدّمه الفكر القاعدي، والداعشي، والرافضي الإرهابي للعالم بأسره عن الرجل المسلم، فكيف سيواجه أولئك المتسببون في ذلك موقفهم يوم الحساب؟! ومشكلة أكثر الناس أنهم يمارسون ما يريدون بغية تحقيق أهدافهم وأحلامهم دون اكتراث للوسيلة أو الأسباب؛ لأن غايتهم تبرر كل الوسائل والأفعال، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.. لذلك جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في أغسطس الماضي في وقتها، إذ تحتوي على مضامين تحذيرية لكل من يحاول اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم على أنه دين التطرّف والكراهية والإرهاب. * ولذلك نحن في حاجة اليوم إلى إعلامنا الخارجي؛ ليكون أكثر حضورًا في الفكر الغربي تلعب فيه سفاراتنا وإعلامنا الخارجي دورًا لإعادة رسم الصورة الذهنية التي شّوهها المتطرفون. فالناس في الغرب يحتاجون إلى أصوات معتدلة حاضرة في الشارع الغربي ترسم الفكر الإسلامي المعتدل البريء من كل تطرف، وكذلك إلى إعلامنا الداخلي ليكون له وللمثقف والإعلامي دور فاعل لتصحيح الصورة الذهنية السلبية التي رسمها الإرهاب عن الإسلام، وحتى ندرك الجيل الحاضر في قادم الأيام والأعوام قبل أن يضيع فنكرر أخطاءنا. دوحة الشعر: للهِ درّ زمان كانَ يرفعُنا فوقَ الجميعِ فإنّا أمةُ القلمِ [email protected]