في الطفولة كان هناك مشهد كرتوني طريف للمحقق الفرنسي 'كلوسو' الذي وصل الى لندن خلف لص مطلوب فشرع بإطلاق النار عليه،وإذا بشرطي وقور يستوقفه ويقول له بمنتهى البرود الإنجليزي : "In England No Shooting" ! "إطلاق النار ممنوع في إنجلترا". في المرة الأولى قالها بلطف و تحذير،و في المرات التي تليها سيقوم بضربه ضربة خفيفة على رأسه وهو يعيد نفس الجملة مع مصادرة المسدس! منذ سنوات فطن صانعو القرار في لندن الى أن مدينتهم مصب للسائحين والدارسين والمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين ! فقاموا بفرض وتفعيل حزمة من القوانين والإعلانات التوعوية التي تساعد هذا الخليط العجيب في العيش سوياً في عقد مدني يرتضيه الجميع. أكثر ما يلفت الانتباه في هذه المنظومة العريقة أن القوانين هنا مدروسة وفي نفس الوقت قابلة للتجديد بشرط أن يكون ذلك في مصلحة المواطن،على أن من يخرق القوانين فإنه يعاقب عقاباً خاصاً يخصه ولا يؤخذ الآخرون بجريرته بأن تشدد القوانين و تغيب الثقة التي هي أمر أساس في المجتمعات المتحضرة. و توجد في لندن وحدها ما يفوق 400 ألف كاميرا مراقبة حكومية CCTV تعمل على مدار الساعة يتم من خلالها ليس فقط تنظيم حركة المرور وجباية المخالفات،بل وضبط الجريمة والإرهاب. وبعدما انتهت أحداث الشغب في عام 2010 إثر رفع الدولة الرسوم الدراسية،قام الدرك الإنجليزي بجمع معظم المشاغبين من مخابئهم. حتى بداية القرن التاسع عشر كانت لندن تعاني من القذارة و كثرة الباصقين،وفي غضون عام تم تفعيل قانون لمنع البصق و انتهى الأمر. في مراحل الدراسة منذ سنوات أصر أحد الأصدقاء لدى إنهائه مدة دراسته على عدم دفع ثمن آخر تذكرة للقطار وهو عائد الى لندن بحجة غياب مفتش القطار في كل المرات السابقة،ومن حظه العاثر إذ بالمفتش يظهر له ويغرمه قيمة عدة تذاكر في تلك المرة! و ذات مساء كنا نسير في أحد الشوارع عندما واجهنا حواجز و إشارات فقال لنا الشرطي ذو الصوت الجهور: "مساء الخير يا سادة .. هل أنتم هنا من أجل التظاهر ضد العولمة وقمة الثماني ؟ أم لا ؟" فلما أجبنا بالنفي وجهنا للضفة الأخرى وتعلو وجهه ابتسامة متحفظة.