من يتمعن في حال بعض مؤسساتنا الحكومية يجد أنها تعيش حالة من عشوائية التخطيط، كما يجد أن الكثير من تلك الخطط المكتوبة تنحرف في أحيان كثيرة باتجاه أعمال كرسوية لا مؤسسية، وبما أن الحديث عن هذا الموضوع يطول ويتشعب، فإنني سأكتفي بالتمثيل لبعض النماذج الحية، علها تكشف عمق ذلك القصور في حراك مؤسساتنا الموقرة، ويلتفت إليه القائمون على هذا الجانب الهام في تلك المؤسسات وفي الجهة القائمة على التخطيط لدينا وهي وزارة التخطيط والاقتصاد التي يبدو أنها ركّزت فقط على الاقتصاد دون التخطيط الذي لم نجد لها فيه أثرًا ملموسًا يتضح في حراك مسيرتنا التنموية المباركة. وبما أن أمانات المدن وبلدياتها تتولى تنفيذ الحيز الأكبر من مشروعات الدولة، فإننا سنجتز من حراكها التنموي أغلب الأمثلة فعلى سبيل المثال لا الحصر: - قلما نجد أحد شوارع مدننا وخاصة مدينة جدة على سبيل المثال يخلو ولو لشهر واحد من عمليات الحفر، فيوم للهاتف وآخر للماء وثالث للكهرباء ورابع للصرف الصحي وخامس وسادس... الخ وهكذا يستدام الحفر الذي ينتج عنه الهدر المالي والتشويه والإزعاج المستدامين، وكان الأحرى بأمانات مدننا الموقرة أن تضع ذلك في الحسبان عند التخطيط لأراضي المخططات عند البيع من خلال تهيئة تلك المخططات بكافة الخدمات الضرورية كأن تخصص لها مسارات تحت الأرض وكان الأحرى بها أيضًا أن تضع في حسبانها كافة الاحتياجات الضرورية في شوارعها كالمداخل والمخارج وطرق الخدمات السريعة وبناء الأرصفة القادرة على تلبية الاحتياجات لعشرات السنين بدلاً من عمليات الترقيع التي تحدث فيها كل عام والتي يترتب عليها هدر الأموال العامة للدولة، وكان الأحرى بها أن تضع في الحسبان ما يحتاجه أهل الحي من مدارس ومساجد وحدائق ومتنزهات وخدمات أخرى بشرط حمايتها ومنع الاعتداء على تلك الخدمات من خلال عمليات تطبيق الصكوك عليها أو بيعها. ومن أمثلة عشوائية التخطيط عند الأمانات عندما يعتمد تنفيذ مشروع ما ويبدأ التنفيذ فنجد أن تغيير المسؤول عن ذلك المشروع ينتج عنه إحداث التعديل أو الإيقاف المطلق له وهذا الأمر ينم عن عدم وجود عمل مؤسسي، ولعل هذا الأمر يتضح بصورة لافتة في بعض المشروعات الميدانية كمثل مشروع تغطية مجرى السيل بحي الصفا 9 بمدينة جدة الذي أرى أنه أصبح مثالاً حيًا للعبث التخطيطي والتشويه المتعمد، فلكم أن تتصوروا أن المخطط الأصلي الأولي للمشروع كان يتمثل في تغطية كاملة للمجرى وتحويله إلى منطقة ترفيهية خلال 3 سنوات، ولكن بعد مرور 5 سنوات وبعد أن بدأ مقاول المشروع في التنفيذ توقف فجأة، ثم تحول ذلك المشروع الوهمي إلى حفر وأتربة متراكمة ومياه صرف صحي بالمجرى تحمل الكثير من الأمراض، بالإضافة إلى عمل شبوك عشوائية سيئة المظهر تحيط بالمجرى أحدثت تشويهًا خطيرًا لا يقبله أي مسؤول. فهل من متابع يا نزاهة؟! لأن ذلك لا يليق أبدًا بمنطقة هامة وراقية تقع وسط أحياء جدة. والله من وراء القصد.