كانت مدينة "ديزني لاند" تبدو لي عالمًا ضخمًا تستحيل زيارته في يومٍ أو اثنين؛ ولما زرتها عن كبر بدت لي أصغر مما تخيلت بكثير، كما كنت أجزم أن الصحيفة اليومية قد تأخذ قراءتها عامًا كاملًا. كنت أرى الأمور كما قيل لي، فصدقت أن فريقًا من البشر يملك الحقيقة وحده وكل ما سواه باطل، فرأيت الدنيا بلونين فقط. كنت مثل كثيرين أرى في المادة حلًا لكل مشكلات البشر، ومدخلًا للسعادة، كبرت وعرفت أن هناك أمورًا تتجاوز ذلك المنظور. كنت أرى غرابة في صمت البعض، وأحيانًا أراه كبرًا، عرفت أن الصمت سياج الحكمة، يختاره الذي يعلم ويتفكر عن قناعة فينأى بنفسه عن القيل والقال والأحاديث التي لا تضيف شيئًا للعاقل، بل وتجلب عليه الوبال. قرأت في تاريخ الشعوب ولم أفهم كيف حكمت روما خمسة قرون، فعلمت أنها لم تستطع فعل ذلك لولا أنها حكمت باسم الدين والكنيسة، فقمعت الناس بمحاكم التفتيش، وطوّقت الفكر، فحمدت الله أننا مهد الرسالة والتعايش والحضارة. إلى وقتٍ ليس ببعيد (للأسف) كنت أرى في جماعاتٍ تُظهر التدين حلًا لجميع مشكلات الشعوب، في حين يختبئ خلفها المكر السياسي والانتهازية، لكني فطنت إلى أن حل الأمور ليس بالشعارات والعنتريات، بل بالمساواة وتلبية حوائج الناس البسيطة قبل البحث في ماهية الأشياء! وأنه ليس أخطر من أن يدعي أحد أنه هو الممثل الحقيقي للإسلام، فيرفع الجميع المصاحف على أسنة الرماح ويصبح الجهاد جهادًا بين المسلمين! كنت أستغرب إصلاح طريق قد تم إصلاحه سابقًا، فلما كبرت عرفت أنها صورة من صور الفساد. كنت أعلم في قرارة نفسي أن "ميكي ماوس" وأصدقاءه ليسوا حقيقة، مؤخرًا عرفت أنهم حقيقة جميلة في زمان الكذب وتعدد الوجوه.