ليس شرطًا أن يكون هناك شرخًا في العلاقات بين دولتين تجمعهما علاقات خاصة ومميزة إذا ما قررت إحدى الدولتين أن يكون لها نفس هذه العلاقة أو أقل أو أكثر قليلًا مع دولة أخرى يجمعها معها مصالح مُشتركة، أو يمكن أن تنطلق من قيام مثل تلك العلاقة مصالح تنعكس على الدولتين معًا.. ومن المعروف أن العلاقات بين الدول تقوم على مصالح متبادلة هي التي تُعمِّق هذه العلاقات أو تجعلها أكثر فتورًا وفق قوة المصالح أو ضعفها. لذا يُكرِّر دارسو السياسة على الدوام جملة يحفّظونها لطلابهم، وهي أنه ليس هناك بين الدول صداقة دائمة، ولكن هناك مصالح دائمة. *** ولقد تحدثت يوم أمس عن زيارة وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي إلى موسكو التي يُؤكِّد أكثر المراقبين أنها زيارة غير عادية تحمل مُؤشِّرات قوية لإعادة صياغة علاقة مصر مع دول العالم انطلاقًا من موقف تلك الدول من ثورة 25 يناير 2011، وثورة 30 يونيو 2013.. وأجد أن الزيارة تحمل أيضًا مؤشرًا للعلاقة مع واشنطن، خاصة مع فتور دور الولاياتالمتحدة تجاه كثير من القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية رغم ما يبدو على السطح من استمرار دعم واشنطن للمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل. *** وإذا كانت زيارة المشير عبدالفتاح السيسي مُؤشِّرًا لاتجاه جديد في العلاقات المصرية الأمريكية، فإني أذهب لسنوات سابقة، ولعام 2006، الذي شهد نشاطًا ملحوظًا للدبلوماسية السعودية قاده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للاتجاه شرقًا إلي دول آسيا، سبقها زيارة قام بها- حفظه الله- إلى موسكو عام 2003 عندما كان وليًا للعهد، تبعها زيارات أخرى عديدة متبادلة لمسؤولين سعوديين وروس وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين.. وقد اعتبرتُ في مقال لي في صحيفة الحياة في 18/4/2006، بعنوان: "الشراكة مع الشرق"، هذه الزيارات مؤشرًا كبيرًا لعزم المملكة على الانفتاح الاقتصادي على الدول كافة، خصوصًا بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، وأنها تعكس وعيًا ناضجًا للدبلوماسية السعودية، لاسيما أن هذا الجزء من العالم أصبح يُمثِّل اقتصاديات عالمية عملاقة، وقوى قادمة على الخرائط الاقتصادية بشكل قوي ولافت. *** وهكذا فإن التحالف الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية لا يمنع الرياض من مد جسور التعاون مع روسيا، أو دول الشرق الآسيوية، في مختلف المجالات بما فيها المجالات العسكرية. وإذا كان تطور هذه العلاقات لم يكن علي القدر المأمول حتى الآن فقد حان الوقت لتطوير العلاقات السعودية مع روسيا ودول الشرق الآسيوية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها. وأعتقد أن زيارة ولي العهد السعودي يوم السبت الماضي إلى باكستان، إضافة إلي ما تحمله من تقوية العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، تحمل أيضًا ما يمكن أن نصفه بإعادة إحياء ما بدأته الدبلوماسية السعودية في الاتجاه شرقًا. فهذه الزيارة تُمثِّل "الدرة" في "العقد" الذي تُمثّله هذه الدول الصديقة والشقيقة. فلا يمكن لزيارة آسيوية لمسؤول سعودي إلا وأن تكون إسلام أباد محطة في طريقه يُعبِّر منها أو يحط فيها أو يكون له فيها شأن أو مسألة. * نافذة صغيرة: (إننا نُعطي أهمية كبرى لتعزيز الشراكة الإستراتيجية مع المملكة العربية السعودية في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاستثمارية. وسوف تتوسع آفاق هذه الشراكة في المستقبل في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية وزيارة سمو الأمير سلمان ستعطي دفعة كبيرة لتعزيزها وتنميتها).. نواز شريف - رئيس وزراء باكستان [email protected]