لم تعد قضية الرئاسة المصرية «غامضة» أو اسم الرئيس القادم مجهولا.. بالرغم من تحديد ملامح هذا الرئيس الجديد من خلال جميع المظاهر المشهودة على الأرض المصرية وتحديدا منذ 26 يوليو 2013 عندما قال الشعب المصري «نعم» للفريق أول عبدالفتاح السيسي في مواجهة البلاد لكل مظاهر التصدع والفوضى وتعهده باسم القوات المسلحة بالقضاء عليها وبالذات بعد أن أوشكت مظاهرات الإخوان في كل من «رابعة العدوية» و«ميدان النهضة» أن تدخل البلاد في حرب أهلية «كارثية» وغير مسبوقة بفعل عمليات التحريض التي بالغ قادة الإخوان في إشعالها في مختلف أرجاء مصر من هذين الميدانين وبعد أن بدأت تتحول إلى مسيرات متحركة باتجاه مواقع عسكرية وقضائية وإدارية وأمنية حيوية على مستوى الجمهورية.. وبعد أن أوشك الانقسام بين فئات الشعب أن يصل إلى مداه. •• يومها قال الشعب «نعم» للسيسي القائد العام للجيش المصري.. و«نعم» لقيادة مصر المستقبل.. و«نعم» لاتخاذ كل ما من شأنه تأمين سلامة البلاد. •• بعدها تحركت الدولة المصرية وفق خطوات قانونية محسوبة لوأد الفتنة على (6) مسارات هي: خطوات مرسومة بإحكام المسار الأول: وتم ذلك بفض مظاهرات الإخوان في الميدانين الشهيرين ولاسيما بعد أن تزايدت شكاوى سكان المنطقة من ممارسات المتظاهرين.. وبعد أن أوشكت الأمور على الانفلات الأمني.. وأصبحت أرواح الناس مهددة بالخطر وبعد أن توقف دولاب الحياة تماما.. فأغلقت المصانع والمتاجر وحتى أجهزة الدولة وتوقفت عن تقديم خدماتها للمواطنين.. وأوشكت محطات البنزين أن تغلق.. وفصلت الكهرباء والمياه عن السكان وقاربت الحياة على التوقف تماما. المسار الثاني: وتزامن بإلقاء القبض على أكثر عدد من الإخوان تأثيرا وتحريضا وتقسيما للشعب المصري ودون استثناء.. وبالذات بالتركيز على القيادات الأبرز.. ومنهم المرشد «محمد بديع» ونائب المرشد «خيرت الشاطر» ورئيس حزب الحرية والعدالة.. رئيس مجلس الشعب السابق الدكتور محمد سعد الكتاتني.. وكل من عصام العريان، ورفيق حبيب، ومحمد البلتاجي، وعمرو زكي، وأسامة ياسين وغيرهم وغيرهم. المسار الثالث: واستهدف رموز السلطة في مواقع المسؤولية المختلفة بدءا برئيس الوزراء «الدكتور هشام قنديل» ومرورا بالمحافظين والقيادات الأمنية والإعلامية والقضائية بمن فيهم النائب العام طلعت إبراهيم، وكذلك المتنفذون في أجهزة الدولة، وإحلال كوادر مأمونة في مواقعها ضمانا لإيقاف حالة العزل التي مارسها الإخوان لكل من عاداهم.. وانتهت بتصحيح أوضاع النقابات المهنية «الطب/ الصيدلة/ العمال/ الصحفيين/ وسواها..» تمهيدا لإعادة تنظيم أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني على أسس وطنية جديدة استعدادا للدخول في المرحلة القادمة. المسار الرابع: وركز على تحقيق السلامة للدولة المصرية بإغلاق المنافذ الخارجية التي كانت وراء تصاعد وتيرة الإرهاب بدءا من سيناء.. ومرورا بالمحافظات المصرية وإشعالا للعاصمة المصرية سواء عن طريق التفجيرات «شبه اليومية» أو الاغتيالات للقيادات الأمنية والعسكرية أو باستهداف المراكز الأمنية بصورة أكثر تحديدا بهدف إضعاف قدرة الدولة وإسقاطها وإثارة حالة من الفوضى ومن الشغب العام في مختلف أرجاء البلاد. وفي نفس الوقت مواصلة العمل على إغلاق عشرات الجسور بين مصر.. وغزة.. بعد أن تبين أنها السبب في تدفق الأسلحة والإرهابيين إليها بكثافة.. والتسبب في عمليات القتل اليومي، وإشعال الحرائق وقتل رجال الأمن ليس فقط في منطقة سيناء، وإنما في القاهرة وغيرها من المحافظات المصرية. المسار الخامس: وذلك بإصدار سلسلة من القوانين الضابطة والمنظمة لحركة الحياة اليومية في الشارع المصري وتسوية المشهد العام في جوانبه المختلفة. ومن تلك الأنظمة والقرارات.. «نظام حماية المتظاهرين» وكفالة تنظيم المظاهرات السلمية، واشتراط الإبلاغ المسبق عنها.. وهو النظام الذي أدى إلى إلقاء القبض على بعض القيادات لبعض منظمات العمل السياسي من خارج نطاق الإخوان فور مخالفتهم لهذا النظام، وتحديهم له، وإقدامهم على تنظيم مظاهرات غير مصرح لها من السابق.. وترتب على ذلك «هوجة» واسعة نظرت إلى هذا النظام على أنه متعارض مع الحريات العامة، وحقوق الإنسان المكتسبة.. وإن مضت الدولة في التطبيق له رغم الضغوط الشديدة عليها لدفعها إلى إيقاف العمل به. أما النظام الثاني الذي صدر عن الحكومة فكان هو المتعلق باعتبار تنظيم الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا ومعاملته أو من ينتسبون إليه معاملة الخارجين على النظام. المسار السادس: وكان مسارا سياسيا مستقلا.. وأخذ عدة اتجاهات.. من أبرزها: 1) فتح الأبواب والنوافذ على دول العالم الكبرى ولاسيما روسيا.. وبالذات بعد أن صدرت إشارات غير ودية من قبل واشنطن.. تمثل بعضها في إيقاف الدعم لمصر بجانبيه العسكري والمالي. 2) اتخاذ موقف جاد من التدخلات الخارجية في الشأن المصري.. وبالذات بعد أن تزايدت وتيرة هذا التدخل من قبل الاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات والأشخاص عقب سماح السلطة المصرية لهم بمقابلة الرئيس السابق محمد مرسي، وبعض رموز الإخوان في مبادرة حسن نوايا من قبل مصر.. لتأكيد أعلى مستويات الشفافية والعدالة في التعامل معهم. فقد قامت السلطة المصرية بإيقاف هذه المقابلات وإغلاق الباب تماما بعد صدور العديد من التصريحات المسيئة لمصر ولاسيما من قبل الأمريكيين «جون ماكين» و«ليندسي جراهام» وغيرهما. 3) استدعاء السفيرين التركي والقطري وإبلاغهما بعدم قبول مصر لما اعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية بعد أن واجهت الدولة المصرية ضغوطا شديدة من قبل النخب السياسية والمجتمعية بضرورة اتخاذ موقف حازم مع الدولتين، مما أدى إلى مغادرة سفيري هاتين الدولتين للقاهرة، وعودة السفيرين المصريين إلى القاهرة. وكان آخر مظاهر التوتر بين العاصمتين المصرية والقطرية هو استدعاء الممثل القطري في القاهرة للمطالبة بتسليم الداعية المصري الموجود في الدوحة «الشيخ يوسف القرضاوي» بعد مهاجمته الدولة المصرية. •• لكن المبايعة المبكرة والحقيقية للمشير عبدالفتاح السيسي جاءت بعد استفتاء الشعب المصري على الدستور الجديد بنسبة ( 98.1%) بالرغم من مقاطعة الإخوان.. ومن يسمون أنفسهم بأنصار الشرعية له. •• يومها لم يقل المصريون في الداخل والخارج للدستور الجديد «نعم» فحسب، وإنما قالوا للسيسي.. «نعم» رئيسا بالتزكية المطلقة وبصورة غير مسبوقة. ما بعد الترقية •• وجاءت ترقية السيسي بقرار من رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور في 27/1/2014 م بمثابة دعوة مفتوحة لدخول قصر الاتحادية، وتسلم مقاليد السلطة بعد (3) أشهر من ذلك التاريخ.. وتحديدا بعد استكمال الخطوة الثانية من «خارطة المستقبل» التي أعلنها «السيسي» بحضور ومشاركة كافة رموز الدولة والمجتمع المصري. •• وتعززت هذه الدعوة بإعلان رئيس الجمهورية عن تقديم الانتخابات الرئاسية على الانتخابات البرلمانية وإتمامها في الموعد المحدد بدءا من فتح باب الترشح يومي 18 19 فبراير الحالي للحيولة دون تسرب الإخوان من جديد إلى الحياة السياسية المصرية من خلال الانتخابات البرلمانية التي كان إنجازها مقررا عقب إقرار الدستور مباشرة، وقبل تحديد هوية الرئيس القادم، وليس قبله حسب خارطة المستقبل. •• كما تأكد ذلك أيضا وبصورة شبه قطعية عندما اتخذت المؤسسة العسكرية موقفا واضحا ومحددا يوم 27/1/2014م من مسألة ترشح السيسي للرئاسة.. عندما باركت توجهه هذا وقطعت بذلك كل الأقاويل التي كانت سائدة حول تردد السيسي في الترشح أساسا.. وأعلنت بذلك وقوفها خلف الرجل الذي يتعين عليه أن يخلع بدلتها تمهيدا للانتقال إلى موقعه الجديد كقائد أعلى للقوات المسلحة أيضا بالإضافة إلى رئاسته للجمهورية. •• كل هذا حدث قبل أن يعلن السيد حمدين صباحي عن ترشحه للرئاسة بعد تلكؤ طويل.. وبعد أن كان قد أعلن في وقت سابق عن أنه لن يترشح في حالة ترشح «عبدالفتاح السيسي». فرص فوز عنان أمام السيسي •• وبالرغم من أن «الفريق سامي عنان» لم يعلن حتى لحظة كتابة هذا التحليل عن ترشحه للمنصب إلا أن جميع الدلائل تؤكد أنه هو الآخر «جاهز» لخوض معركة الرئاسة وهو يعلم علم اليقين أن فرص فوزه غير مؤكدة، إن لم تكن شبه مستحيلة. •• مع أن المرشحين الاثنين يملكان رصيدا شعبيا لا بأس به.. وإن كان ذلك بدرجة متفاوتة.. إلا أن فرص الفوز تظل كبيرة أمام «السيسي» لأنه: (1) قدم نفسه حتى الآن بصورة الزعيم المنقذ في مرحلة صعبة ودقيقة.. بدءا بانحيازه والقوات المسلحة من ورائه لثورة 30 يونيو 2013م وهي الثورة التي لم تكن مفاجئة وإنما جاءت بعد الإنذار الأول ومدته أسبوع -كما جاء في بيان القوات المسلحة المعلن بتاريخ 23 يونيو2013 م ثم بعد مقابلته العاصفة مع الرئيس السابق (محمد مرسي) بعد ذلك. وكذلك بعد إنذار القوات المسلحة الأخير للرئيس قبل (48) ساعة من التغيير ومطالبتهم له بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ وذلك مساء 2/7/2014 م وهو البيان الذي أعقبه ظهور الرئيس، وتحديه للقوات المسلحة وكل القوى الوطنية التي كانت تتوقع استجابته.. وعودة الأمور إلى طبيعتها. وعندما يتخذ قائد عسكري قرارا بحجم التغيير الذي حدث في مصر في تلك الليلة فإما أنه «مغامر» يمكن أن يدفع رأسه ورأس مئات من القادة العسكريين والنخب السياسية الأخرى التي شاركته في تبني خارطة المستقبل، وظهرت أمام الملأ دون خشية.. وإما أنه قائد محنك، وزعيم يمتلك كل أدوات القيادة في مثل هذه اللحظات التاريخية الصعبة. (2) إدارته لقضية الصراع مع الإخوان بصورة عالية الكفاءة والحنكة.. فلا هو سمح لمناوئيه -في الداخل والخارج- بتصوير ما حدث على أنه انقلاب.. عندما رسم بخارطة الطريق مسار عمل المرحلة بتدرج محسوب ومنظم.. وبخطوات قانونية تتفق مع الدستور بدءا بشغل رئيس المحكمة الدستورية لمنصب رئيس الجمهورية، وممارسته سلطاته الكاملة بنجاح.. واختيار رئيس للوزراء، وتشكيل الوزارة، وانتهاء بإصداره عددا من القوانين المنظمة للعمل السياسي في البلاد وفق خطوات دقيقة وقانونية ومرورا بتحمل مسؤولية تعديل خارطة المستقبل، واتخاذ قرار تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية.. وقبل ذلك إدارته لعملية الاستفتاء على الدستور الجديد بنفس النجاح الذي أسفرت عنه رغم الظروف الأمنية الصعبة.. وما يتوقع بعد ذلك من الإشراف على عملية تنفيذ الانتخابات الرئاسية في وقت يكون فيه «السيسي» بعيدا عن أي سلطة.. وواحدا من ثلاثة مرشحين متساوين أمام الدستور وبدعم من القوات المسلحة التي أصبحت مقاليد أمورها تدار بيد خبرة عسكرية أخرى شارك في اختيارها «السيسي» مع بقية الاختيارات الأخرى بهدف ضمان استمرار المؤسسة العسكرية في أداء واجباتها الوطنية على أعلى المستويات: (3) تعبير السيسي عن آرائه وأفكاره وتوجهاته بلغة مفهومة لدى الشعب المصري.. وهي لغة وإن كانت سهلة وبسيطة ووصلت إلى قلوب الناس على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم.. إلا أنها اقترنت بسلسلة من الأفعال كشفت عن قدرة الرجل ليس في مخاطبة الجماهير فحسب وإنما في التقريب بين وجهات نظرهم والتفافهم حول الوطن الذي كان وما زال يتعرض لأسوأ هجمة من الداخل والخارج هدفها المشترك والأقوى هو إسقاط الدولة المصرية.. مما ساهم -حتى الآن- في التصدي لكل تلك الهجمات بقوة.. كما ساهم في استمرار تماسك الوضع بجوانبه الأمنية والسياسية والاقتصادية رغم خطورة الوضع من جميع جوانبه.. وتأثيره على دولة تكاد تتوقف أوجه الحياة فيها بصورة كاملة: (4) إدارته بنجاح بطرق مختلفة مسألة الصراع مع المجتمع الدولي بمن فيه بعض الأطراف الإقليمية التي لم تتقبل فكرة تغيير نظام الإخوان وبدء مرحلة جديدة من العمل السياسي المنظم لإقامة دولة تسعى إلى التحول الديمقراطي خطوة خطوة. حدث هذا قبل وأثناء وبعد إعلان وتطبيق خارطة المستقبل.. سواء من موقعه كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع والإنتاج الحربي.. أو من موقعه كقائد مباشر للتغيير أو من موقعه كقائد عام للقوات المسلحة التي تولت مسؤولية التغيير وتواصل عملها في تأمين سلامتها رغم تكالب الظروف عليها. وحدث من موقع حسابات الدول والهيئات والمنظمات الدولية التي تتابع الوضع في بلاده.. وتضعه في حسابها كرجل مرحلة.. وذلك من خلال دراسات مراكز الأبحاث والأجهزة الاستخبارية.. أو من خلال تقارير البعثات الدبلوماسية الأجنبية الموجودة على الأرض وداخل مصر العربية نفسها.. أو من خلال قياس الجميع لنبض الشارع المصري المتزايد في اتجاه الرجل الذي أصبح يمثل رمزا موثوقا به.. بل ومدعوا بقوة من خلال وسائل الإعلام.. أو من خلال المسيرات الواسعة في الشوارع والميادين بجميع المحافظات أو من جميع الفئات التي يتكون منها النسيج المصري السياسي أو التجاري أو المؤسساتي بما يشير إلى شبه إجماع بأنه ولد لكي يكون زعيما.. وأن ظهوره المفاجئ أمام العامة ب«كاريزما» خاصة تثير الإعجاب والثقة والأمل في وقت واحد لقيادة المرحلة القادمة بكفاءة توفرت لها عناصر الخبرة العامة في المخابرات العسكرية أو في العمل العسكري الميداني أو في إدارة المؤسسة العسكرية في ظروف حالكة وصعبة ومحافظته على تماسكها وثباتها بل ونجاحها بكل المقاييس.. كما توفرت لها عناصر القدرة على التخطيط الواعي والمدروس وذي الطبيعة الاستراتيجية دون الوقوع في الأخطاء.. كما شهد له بذلك الرئيس السابق (محمد مرسي) عندما اختاره لمنصب وزير الدفاع وتحدث عنه فقال «إن السيسي ليس قائدا عسكريا محنكا فحسب وإنما هو مهندس سياسات وخطط بعيدة المدى» قال هذا «مرسي» لأنه وجد فيه كل خصائص القيادة للمؤسسة العسكرية الأولى وذلك بعد أن تخلص من قياداتها السابقة وفي مقدمتهم «المشير محمد حسين طنطاوي» و«الفريق سامي عنان» الذي يتأهب الآن للمنافسة على كرسي الرئاسة. خيانة الرئيس وخيانة الوطن •• وهنا تثور قضية في غاية الحساسية.. عندما يطرح سؤال نفسه.. هل ما قام به «السيسي» يعتبر خيانة بحق الرئيس السابق.. للدولة المصرية.. أو أنه انتصار لإرادة الشعب الذي يتحدثون عنه عن أنه بلغ (30) مليونا عندما نزل إلى الميادين مطالبا بتغيير النظام وليس الرئيس فحسب وانحياز للوطن الذي تضرر كثيرا خلال عام حكم الإخون؟. •• هذه القضية وإن كانت لا علاقة لها بتحليل كهذا إلا أن الحكم فيها هو الدستور وعقيدة الجيش المصري وخبراته المتراكمة.. وليس لنا أن نخوض فيها.. لأنها لا تعنينا.. بالقدر الذي يعنينا الآن هو مصر.. ومستقبل مصر.. وطريقة قيادة مصر.. لإخراجها من «الحالة الكارثية» التي وصلت إليها بعد (3) سنوات من التدمير لكل مقومات الدولة والمجتمع المصري.. ويتطلع الناس بعدها إلى رجل يمنحها الأمل في العودة بالبلاد إلى بر الأمان بسلام.. رغم الأثمان الغالية التي يتوجب على الجميع أن يدفعها كما قال السيسي في مخاطبته للشعب المصري من خلال إحدى الدورات التدريبية التي أشرف عليها ورعاها يوم الاثنين 10/2/2014م «إن الخروج بمصر من أوضاعها يتطلب تضحية الجميع وتضامن الجميع وتحمل الجميع لأعباء المسؤولية» وتلك لغة مرحلة ما قبل تقلد هذه المسؤولية.. وإن اعتبرها البعض بداية لتبرير أي قصور في المرحلة القادمة.. فيما نظر إليها البعض بأنها «نظرة واقعية» نحو ما جرى ويجري وما يجب أن يحدث في المستقبل.. هدفها تهيئة المجتمع المصري لتقاسم تبعات المسؤولية وتحمل تبعاتها والتحول إلى الإنتاج بقوة.. والعمل بروح جديدة وجادة ومختلفة من أجل إعادة بناء مصر. •• وبالمناسبة فإن «السيسي» لم يعط في أي من لقاءاته أو خطاباته أو تصريحاته القليلة أي وعود فضفاضة.. وإنما كان يركز باستمرار على بناء الناحية المعنوية للشعب.. وكذلك على توحد صفوفه.. وتماسك هيئات ومؤسسات الوطن. • • • • دلالات زيارة موسكو •• السيسي إذن.. أصبح هو رجل المرحلة القادمة بكل المقاييس.. لاسيما بعد أن خلع البدلة العسكرية حتى قبل الإعلان عن الترشح للرئاسة.. وركوبه الطائرة في زيارة هامة ذات دلالات بعيدة -منذ يومين- إلى موسكو على رأس وفد سياسي وعسكري ومدني.. وقابل هناك الرئيس «بوتن» ووزير الخارجية «لافروف» ووزير الدفاع سيرجي شويجو. •• والزيارة بدلالاتها السياسية.. وإن كانت تبدو -من وجهة نظر البعض- بمثابة رسم مسار في اتجاه المستقبل بالنسبة لمصر.. إلا أنها ومن وجهة نظري ليست كذلك بالمرة لأن «السيسي» نفسه يدرك أنه ليس من مصلحة مصر أن تعيد في القرن الحادي والعشرين سياسة المحاور إلى المنطقة من جديد.. وبالذات في الوقت الذي أدارت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية ظهرها لبلاده في الوقت الراهن. وكأن هذه الزيارة بداية لعودة مصرية جديدة إلى المعسكر الشرقي. •• الأمر -كما قلت- غير ذلك تماما.. لأن السيسي يدرك أكثر من غيره أن استرداد مصر لمكانتها الإقليمية والدولية لن يتم بالانحياز إلى أحد المعسكرين كما حدث في الخمسينيات وما بعدها وحتى مجيء الرئيس أنور السادات إلى الحكم.. وإنما سوف يتم بعمل دبلوماسي وسياسي منظم وقوي يفتح قلب وعقل مصر على الجميع ويضع مصالح البلاد في المقدمة ويعليها بدرجة كبيرة. •• وذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال سياسات متوازنة مع كل دول العالم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا.. على قدم المساواة. وذلك ما سيقوم به «السيسي» ربما الآن وفي زيارة مفاجئة ومماثلة لواشنطن.. وربما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية ودخوله قصر الاتحادية كأولوية مطلقة في أجندة عمله السياسي لإعادة بناء الدولة المصرية القوية بشكل مختلف تماما. •• وبمعنى آخر.. فإن فهم هذه الزيارة لموسكو على أنها تعبير عن الاستياء من السياسات الأمريكية تجاه مصر وليست استطلاعا لما يمكن أن تحصل عليه بلاده في المستقبل من هذا الطرف.. تمهيدا للوقوف على نفس المعطى عند زيارته المتوقعة لأمريكا هذا الفهم يبتعد كثيرا عن التحليل الموضوعي الدقيق لشخصية «السيسي» التي تهدف أول ما تهدف -كما قلت- إلى إقامة دولة مصر القوية.. وهو الهدف الذي لا يتحقق في ظل سياسة إغلاق الأبواب.. أو المراهنة على طرف بعينه أو العمل في ظل سياسة ردود الأفعال.. •• ذلك أن «السيسي» شخصية عقلانية.. ولها من الرؤية بعيدة المدى ما يمكنها من استدراج الجميع إلى المائدة المصرية في السنوات الأولى من رئاسته.. وسوف ترون ذلك وتتأكدون بأن حساباته دقيقة.. وحصيفة.. وغير عاطفية.. ومتأنية أيضا.. وتحسن اختيار التوقيت المناسب لكل خطوة. تحرك سياسي بعد ترتيب البيت المصري •• والسؤال الآن هو: •• إذا كان المشير السيسي.. قد خلع بدلته العسكرية.. وباشر العمل السياسي بصرف النظر عن الموقع الذي يمكنه من ذلك.. وهو في نظري موقعه كنائب لرئيس الوزراء المصري (أولا) ثم موقعه كوزير للدفاع والإنتاج الحربي (ثانيا) ثم موقعه كمرشح أبرز للرئاسة المصرية (ثالثا) فلماذا لم يفصح حتى الآن عن ترشحه رسميا.. ولماذا لا يطلع الشعب على برنامجه.. إذن؟ •• الإجابة على هذا السؤال هي: •• أن السيسي فرغ من ترتيب البيت المصري من الداخل تماما.. سواء داخل المؤسسة العسكرية التي يغادرها في الوقت الذي رسمه وحدده بدقة.. أو بالنسبة لشكل الحكومة التي ستتولى مقاليد السلطة التنفيذية إلى جانبه. أو بالنسبة لوضع أسس وقواعد العمل المبكر لقيام انتخابات برلمانية تصب في نفس الهدف الرئيسي لقيام دولة مصر القوية.. فضلا عن إنجازه لجميع الترتيبات للإجراءات الانتخابية التي ستتم تحت سمع وبصر العالم وتقدم الدليل على أن مصر تسير الآن في الطريق الصحيح وبقوة.. وليس بعيدا أيضا أن يكون قد فرغ أيضا من اختيار طاقمه الرئاسي.. بدءا بالنواب وانتهاء بحارس دار الرئاسة ومرورا برسم الخطوط العريضة لإدارة مصرية جديدة تركز بصورة أساسية على الخروج بالبلاد من الأنماط التقليدية في الإدارة وتعمل على إيقاظ روح الثورة في الشعب المصري.. كل الشعب المصري. بعيدا عن التقسيمات.. والتصنيفات.. وسياسات الإقصاء.. والتخوين.. لإعادة بناء اللحمة المصرية التي أصابها الكثير من التفكك.. والتشتت.. والانقسام.. لإيمانه بأن منصب الرئاسة مسؤولية مختلفة عن مسؤولية الكتل والفئات والمنابر وأصحاب الاجتهادات. مع من يخدم مصالح مصر •• ولأنه فرغ من كل هذه المهام.. بما فيها رسم سياسات تخطيطية بعيدة المدى لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في مستقبل بلاده.. فإنه بدأ الآن في فتح الملف الخارجي.. بهدف استكمال الصورة.. وبلورة استراتيجية الغد بكل تفاصيلها.. وهو ولا شك جانب مهم.. وضروري وسابق حتى على العمل في الداخل. •• ومن هنا قلت.. إن زيارة السيسي لموسكو.. زيارة محورية.. ومن هنا أقول بأن الاتصالات الواسعة الآن بينه وبين العاصمة الأمريكية وعواصم أخرى حثيثة ومطمئنة أيضا.. ومن هنا أقول أيضا إن المرحلة القادمة ستشهد تحولات جذرية في كامل المشهد.. بما في ذلك توقع زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقاهرة بعد تسلم السيسي لمقاليد السلطة للإعلان عن مرحلة جديدة من العمل بين البلدين.. وكذلك توقع زيارة الرئيس الروسي.. ورؤساء دول أخرى للعاصمة المصرية.. تتويجا لمرحلة جديدة من العمل المشترك والتعاون البناء لإعادة الأمور إلى وضعها الصحيح في الإقليم بمجمله.. وهو الهدف والغاية الذي تسعى المملكة العربية السعودية بالتعاون مع مصر إلى تحقيقه.. وسوف تكون -كما أتوقع- أحد محاور العمل المشترك والبناء الذي ستسفر عنه زيارة (أوباما) للمملكة قريبا.. وهي الزيارة التي ستحرص المملكة فيها على أن تجسر الفجوة بين القاهرةوواشنطن لصالح الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.. وهي المساعي التي تتفهمها الإدارة الأمريكية الآن أحسن من ذي قبل وسوف يكشف عنها في الفترة القريبة القادمة أيضا. •• السيسي.. إذن بدأ تحركه السياسي.. بزيارة موسكو.. وإن كانت مفكرته الخاصة تنطوي على زيارة أو أكثر لعواصم عربية ودولية أخرى تشارك مصر في عملها الدؤوب من أجل تثبيت الأوضاع في الداخل للانتقال بعد ذلك إلى وضع بيئة إقليمية قوية مع بعض أشقائها العرب الذين يدركون أهمية مصر ودورها في إعادة ترتيب الأوضاع في الإقليم. •• ولذلك فإن زيارته «لموسكو» لم تكن في إطار رده لزيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين للقاهرة في الفترة الواقعة ما بين 13-14/11/2013 م وإنما هي زيارة محورية تشاركه في أهميتها دول عربية شقيقة لخلق توازنات محسوبة بعناية شديدة وإعادة بناء الثقة بين العرب وأصدقائهم التقليديين بصورة أكثر واقعية. مكونات الإدارة المصرية الجديدة •• وسواء أعلن السيسي عن ترشحه لانتخابات الرئاسية المصرية فور عودته من موسكو أو انتظر إلى آخر لحظة قبل يوم أو يومين من موعد فتح باب الترشح لها.. فإن الحديث الآن قد تجاوز التوقف لدى هذه النقطة إلى التساؤل عن مكونات البيت المصري الجديد الداخلية. •• السيسي كما هو واضح.. رجل عسكري محنك.. وعقليته تخطيطية ملمة بكل الأبعاد الاستراتيجية.. ولديه رؤية واضحة لمستقبل بلاده.. كما أن لديه تصورات محددة حول خطوات العمل لصنع سياسات خارجية تعيد لمصر مكانتها في الإقليم بكامله بكل تشابكاته.. وترمرم العلاقة المتضررة بينها وبين أفريقيا بالثقل الإقليمي والدولي الجديد.. وتمنح نفسها الفرصة لتعاون دولي موسع يقوم على أساس تبادل المصالح من مركز قوة.. وتساهم بعد ذلك أو قبله في تصحيح أوضاع الجامعة العربية المنهارة بعد تهيئة المنطقة العربية بصورة مختلفة لتمكينها من القيام بدور أكثر قوة بعد مراجعة ميثاقها وتغييره. •• وبكل تأكيد فإن موسكو قد انتهزت فرصة هذه الزيارة الهامة لتعرض على «السيسي» الكثير من أوجه الدعم مقترنة بتصورات عريضة لمستقبل التعاون الموسع مع مصر على المستويات العسكرية والاقتصادية والفنية وهي عروض مفتوحة.. وغير مكلفة.. لأن «موسكو» راغبة في أن تعود إلى المنطقة بقوة.. من خلال مصادر القوة الحقيقية فيها.. ومصر في مقدمة هذه المحاور الجديدة لبناء خطتها المستقبلية.. في وقت فتحت فيه حوارا متشعبا مع عاصمة عربية أخرى أو أكثر بهدف استكمال خطة العودة مع احترام ومراعاة حقوق دول المنطقة السيادية بالكامل. موقع عمرو موسى القادم •• يتبقى بعد كل ذلك سؤال واحد.. هو: •• من هي أبرز الوجوه التي يتم إعدادها الآن للجلوس على يمين ويسار الرئيس المصري الجديد.. ويساعدونه على تحقيق «خطة طريق المستقبل الجديدة» بعد أن أوشكت الخطة الحالية على الانتهاء. •• والإجابة على السؤال.. متشعبة.. تشعب وتنوع المهام والمواقع التي تتطلبها استراتيجية مصر القادمة. •• ولسنا هنا بصدد استعراض هذه الأسماء.. وإنما نحن بصدد الحديث عن شخصية السيد عمرو موسى التي برزت في الآونة الأخيرة بقوة من خلال (3) محطات هي: •• محطة ترشحه للرئاسة المصرية منافسا للرئيس السابق محمد مرسي. •• ثم محطة ترؤسه للجنة الخمسين ونجاحه في مهمة إنجاز الدستور والتمهيد لنجاح الاستفتاء عليه. •• محطة خيارات المستقبل التي حسمها بالإعلان مبكرا عن تأييده لترشح السيسي للرئاسة وعدم رغبته في الترشح أمامه. •• وأخيرا.. تعدد لقاءاته بالرئيس القادم.. وما أثاره ذلك من أسئلة وتوقعات سبقت إليها «عكاظ» حتى الأوساط الإعلامية والسياسية في مصر نفسها عندما نشرت خبر اختياره لرئاسة وزراء الحكومة المصرية الأولى في المرحلة المقبلة. •• لكننا اليوم نضيف إلى ذلك أن الخيارات المتاحة أمام عمرو موسى في سفينة الرئاسة الجديدة أصبحت الآن على النحو التالي: 1) منصب نائب الرئيس. 2) منصب إدارة فريق عمل الرئاسة. 3) منصب رئيس مجلس النواب. 4) منصب رئيس مجلس الوزراء. 5) منصب المستشار الأول للرئيس. 6) رئيس مجلس الخبراء. •• فمن الواضح أن هناك موقعين جديدين في المرحلة القادمة هما: إدارة فريق الرئاسة.. ليس في صيغته المعتادة في التركيبة العامة لإدارة أعمال الرئاسة بجوانبها الإدارية والخاصة.. وإنما بمفهوم جديد تصب فيه كافة أعمال مؤسسات الدولة المختلفة بسلطاتها الثلاث لضمان إدارة فعالة ومتوازنة بكل مستوياتها السياسية والأمنية والتنظيمية. •• أما الموقع الجديد الثاني وغير التقليدي فهو: تشكيل مجلس متخصص من الخبراء الثقات في مختلف التخصصات وتكون مهمة هذا المجلس هي بلورة استراتيجيات الدولة وخططها وتهيئتها أمام الرئيس قبل إصدارها. •• أما منصب نائب الرئيس.. فإن مهمة عمرو موسى الأساسية في إطاره هي بناء سياسات عليا تنسجم مع توجه الرئاسة الجديد نحو علاقات دولية واسعة ومتوازنة.. وهي مهمة تختلف اختلافا كليا عن مهمة نائب الرئيس السابق (محمد البرادعي) وما خلفته من تضارب وتداخل مع مهام وزارتي الخارجية والتعاون الدولي. والمنصب في المرحلة القادمة لا يعطي للنائب دورا في رسم حركة الدولة المصرية الدائمة فحسب ولكنه يسعى إلى دعم علاقاتها ومصالحها الخارجية ذات الطبيعة الاستراتيجية ولدى السيد موسى من الخبرة والمراس ما يجعله حلقة وصل بين الداخل والخارج ومن موقع قريب من رئيس الجمهورية. •• ويأتي منصب المستشار الأول للرئيس.. بمثابة العضد الأيمن للرئيس متعدد المهام.. بما فيها تكليفه بمهمة الممثل الشخصي للسيسي.. وبالذات في أداء المهام الشديدة الخطورة والسياسية والسرية أيضا. •• لكن المنصب الأقرب إلى الترجيح هو.. رئاسة الوزراء.. للأسباب التالية: أ) حاجة مصر -القوية- إلى إعادة تنظيم علاقاتها بالمجتمع الدولي بصورة أساسية.. وبحركية أوسع.. ووفق منهجية تعيد لمصر مكانتها الإقليمية والدولية عبر مواقف وسياسات خلاقة. ب) متابعة السياسة المصرية الداخلية الجديدة والارتقاء بمستوى العمل الحربي في الدولة المصرية عبر شخصية تثق بها معظم التوجهات السائدة في الحياة السياسية المصرية. ج) تجسير الفجوة بين النخب السياسية والثقافية والإعلامية وبين الحكومة المصرية.. وتنظيمها بصورة أفضل. د) العمل على إعادة اللحمة بين المصريين.. بعيدا عن سياسات العزل والإقصاء وما يتطلبه هذا التوجه من إعداد الأرضية لمرحلة التهدئة تمهيدا للمصالحة الوطنية العريضة في مرحلة قادمة. وإن كان هناك من يعتقد أن «موسى» الأقرب إلى منصب رئيس مجلس النواب بعدما حققه من نجاح كبير في لجنة الجمعية.. لكنني أعتقد أن «موسى» يشعر بأنه أكبر من ذلك وأكثر قدرة على أداء دور فاعل في الدولة المصرية وأقربها رئاسة الوزراء وهي وإن اجتذبت رئيس الحكومة بعيدا عن احتياجات الشعب المصري الضرورية.. من التفات للاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وحل مشاكل البطالة والعشوائيات وارتفاع مستويات التعليم والخدمات الصحية وتطوير الخدمات المختلفة.. إلا أن التوجه العام لدى الرئيس السيسي هو تشكيل حكومة «تكنو قراط» بدرجة أساسية.. للاضطلاع بالمهام المنوطة بها على أكمل وجه.. بصرف النظر عن تطلع التكتلات والأحزاب إلى المشاركة في هذه الحكومة. •• ذلك أن مبدأ المحاصصة وإن كان مستبعدا من حيث المبدأ إلا أنه يظل غير مرفوض بصورة قطعية.. إذا كان محققا لفكرة الحكومة القادرة على تنفيذ سياسات جديدة بصورة غير تقليدية. •• كما أن هناك رغبة قوية لدى الرئيس السيسي لمشاركة المرأة والشباب بقوة.. ليس فقط في الحقائب الحكومية ولاسيما الجديدة منها.. وإنما في كافة مؤسسات الدولة ومؤسساتها المختلفة. •• ومن الملاحظ أن السيد «عمرو موسى» يبدو أكثر حماسا للإشراف على السلطة التنفيذية لصلتها المباشرة بالحياة المصرية اليومية من جهة ولتفاعلها بصورة واسعة مع المتغيرات الإقليمية الواسعة. •• ويعتبر «موسى» شخصية براجماتية.. وقابلة للتكيف.. ويمتلك رصيدا من العلاقات الداخلية والخارجية.. بالإضافة إلى اتصاف حركته بالجرأة.. وإن كان إيقاع هذه الحركة سوف يختلف عن طبيعة مهامه ووظائفه السابقة بدءا بوزارة الخارجية المصرية وانتهاء بمسؤوليته الإشراف على لجنة الخمسين.. ومرورا بإدارته للجامعة العربية.. لأن عبدالفتاح السيسي شخصية مختلفة وتمتلك كل الأدوات والوسائل لرسم الخطوط العريضة لتوجهات الدولة وعمل مؤسساتها ولاسيما فيما يتصل بعلاقات بلاده مع الشركاء الحقيقيين لها في المنطقة سواء في منطقة الخليج أو في القارة الأفريقية وهي علاقات محورية في المرحلة القادمة وعلى «موسى» أن يدير شؤون حكومته في إطار السياسات العامة التي ترسمها الدولة بعيدا عن الاجتهادات وقريبا من التعاون والتكامل وإعلاء شأن العلاقات العربية/ العربية في المرحلة القادمة على أي حسابات أو توازنات أخرى. صباحي وعنان إلى المعارضة •• والسؤال الأخير الذي تجب الإجابة عليه هو: •• إذا كان السيسي.. هو الرئيس القادم.. فلماذا رشح حمدين صباحي نفسه حتى الآن.. ويتجه «الفريق سامي عنان» إلى الترشح قريبا أيضا؟ •• الإجابة على هذا السؤال.. يملكها الاثنان.. كما يملكها من يقفون وراءهما أو يلوحون بدعمهما ويعملون على حصول كل منهما على أوفر عدد من الأصوات.. ليس بهدف الوصول إلى كرسي الرئاسة.. فذلك موضوع شبه محسوم.. وإنما من أجل أن ينتقلوا في المرحلة القادمة إلى صف معارضة يكون لها دور أكبر في الحياة السياسية العامة وذلك حقهم الذي لا ينازعهم فيه أحد. •• غير أن المهم هو.. أن تكون انتخابات الرئاسة «نظيفة» ولا يكون هناك لاعبون خفيون يهدفون إلى إرباك المشهد المصري من جديد لإحداث عنصر المفاجأة الصاعق حتى مع معرفتهم لاستحالة ذلك بعد أن اتخذ المصريون قرارهم واختاروا رئيسهم حتى قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع. •• وقد يكون الهدف من وجود لاعبين خارجيين خفيين هو مجرد تفتيت الأصوات وإضعاف نسبة أصوات فوز الرئيس السيسي بالرئاسة حتى لا تخرج النتيجة النهائية بالأغلبية الساحقة التي تقترب بهذه الانتخابات من مستوى «التزكية» حتى مع وجود فارسين لهما شعبية «معقولة» وإن تفاوتت درجتها بينهما.. لأن هناك من يتحفظ أساسا على «عنان» باعتباره شخصية عسكرية.. وهو التحفظ الذي جعله يتجه إلى التصويت لصالح «صباحي» وإن كان هؤلاء وأولئك لا يشكلون نسبة غالبة من شأنها أن تخل بتقديرات الخبراء وتوقعاتهم بفوز السيسي بنسبة لن تقل عن «70%» من الأصوات في أسوأ الأحوال. •• وبصورة عامة.. فإن وجود ثلاثة مرشحين.. وفوز السيسي بمنصب الرئاسة هو في صالح نظام الدولة المصرية القوية التي تتجه بإرادة كاملة نحو ديمقراطية حقيقية ولكن بخطوات متدرجة تبدأ بتكوين البرلمان وتتواصل بتعزيز قواعد العمل الوطني والمؤسسي بصورة متدرجة لا تتجاوز مدة الدورة الأولى للرئاسة (4) سنوات. الشعب بمواجهة الرئيس •• فإذا دخل «عبدالفتاح السيسي» إلى قصر الرئاسة بمثل هذه الصورة المرسومة في الوجدان المصري لصورة البطل والمنقذ فإن الشعب لن يقول له سوى: «لقد تعبنا وقد حان الوقت لكي تعطف علينا.. كما خاطبتنا ذات يوم.. بإقامة دولة مصرية قوية وآمنة توفر حياة كريمة لأبنائها وتستلهم من مستويات الفقر المتدنية وتوفر لهم مستويات أفضل من العيش.. أما بالنسبة لمكانة مصر.. فإننا واثقون بأنك قد بدأت فعلا في إرساء قواعد للدولة التي يحترمها الجميع.. ويحتاج إليها الكل..»، أما بالنسبة لرسالته هو إلى الشعب فتتلخص في كلمتين: «الشعب أولا».