ما يجمع بين المملكة وتركيا هو أكثر بكثير من نقاط الاختلاف، فالقضية لم تعد تبادل مصالح بقدر ما هي شراكة، بدليل زيارة سمو ولي العهد لتركيا اليوم عندما تولى الملك عبدالله سدة الحكم قام بجولات لشرق القارة الآسيوية والتي شملت الهند والصين وتركيا، لتعكس رسالة سياسية بالغة آنذاك للغرب مفادها ان سلة البيض السعودية متعددة وان السعودية تمتلك خيارات أخرى طالما أن ذلك يصب في مصلحتها العليا. وتزامن ذلك مع انفتاح تركيا على الغرب ودورها المتنامي في المنطقة الذي لم تشعر السعودية بقلق كبير تجاهه لحضور أسباب قوية للتقارب بخلاف علاقتها مع دول إقليمية أخرى في المنطقة. كانت تركيا آنذاك تعيش لحظات المعاناة والأمل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والاستفادة من السوق الأوروبية المشتركة. ويبدو أنه تلاقحت مصلحة الخيارات آنذاك بينهما، توفر دعم أمني استراتيجي، مقابل انفتاح اقتصادي أرحب لتركيا، فضلاً عن امتلاك أوراق دبلوماسية واقتصادية تمكِّن السعودية وتركيا من استثمارها في الغرب، وهو ما سيعزز بلا ريب من مواقفهما في علاقتيهما بالغرب. ومع ذلك ثمة اعتقاد لدى البعض من أن السعودية في علاقاتها، تنزع في توجهها نحو الدول الغربية، خصوصاً الولاياتالمتحدة منها، وهي نظرة قاصرة وقراءة سطحية للمشهد العام، فالسعودية دولة لها سيادة وتنطلق منها في علاقاتها من خلال معيار ما يحقق مصالحها. على أن السعودية تنفرد بأولويات سبق أن وضعها المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز، حيث إن لها أسساً في فلسفة سياستها الخارجية لا يمكن لها أن تتنصل منها، تتمثل في عمقها الإسلامي ودعمها للقضايا العربية ودورها في السلم والاستقرار، ما جعلها رقماً كبيراً في معادلات المنطقة ولاعباً أساسياً في الساحة الدولية. ولذا كان من الطبيعي أن ُتطرح ثمة تساؤلات عند قيام ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز بزيارة إلى أنقرة فالتساؤل يدور حول المغزى والهدف من هذه الزيارة، لا سيما وأن الضيف يمثل القيادة السعودية وهي التي ُتعد الثالثة خلال هذا العقد، بعد الزيارتين التي قام بهما الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عام 2006، و2007م وهي الزيارة الثانية خلال 13 شهراً، حيث شكلتا رافعة أساسية في منظومة العلاقات السعودية التركية وإيذانا ببدء فعلي لتعاون مشترك بين البلدين في كافة المجالات. على ان زيارة سمو ولي العهد لتركيا اليوم تكتسب أهمية كبيرة كونها جاءت لتعزز خصوصية العلاقة التي تربط بين البلدين والقيادتين والشعبين سواء في إطارها الثنائي أو إطارها الإقليمي والإسلامي. تلك العلاقة التي يصفها الكثير من المراقبين بأنها تأتي ترسيخاً وتدشيناً لمرحلة جديدة في مفهوم الشراكة الفاعلة المنتجة، ولترسخ علاقة تجاوزت عشرات السنين رغم ما شابها من فتور في مرحلة من المراحل نتيجة لظروف سياسية، لكن الدولتين نجحتا في تجاوز هذه العوائق بعدما اكتشفتا أن القواسم المشتركة التي تجمعهما وتحديداً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، شجع الدولتين على إطلاق المزيد من خطط الانفتاح والتعاون بدليل أن برنامج الزيارة حافل باللقاءات ما يعني الانطلاق لآفاق رحبة وتعاون جاد ومناقشات شفافة في ملفات سياسية كسوريا والعراق والتدخلات الإيرانية فضلاً عن الطاقة والدفاع والإرهاب والاستثمار. واللافت في العلاقات السعودية_التركية أنها تجاوزت المجالين الاقتصادي والسياسي باتجاه النطاق العسكري والأمني، بدليل مشاركتها في مناورات صقر الأناضول. ولذلك يرى البعض بان التقارب السعودي التركي والذي بدا ملموساً في الآونة الأخيرة سيكون له انعكاس إيجابي على استقرار المنطقة لاسيما وان حيز التفاهمات ما بين الدولتين بات كبيراً إن لم يكن متطابقاً في الكثير من الملفات الساخنة ما جعل البعض يصف تلك العلاقة بنشوء محور جديد في المنطقة قادر على التهدئة ودعم القضايا العربية ومواجهة مشاريع التفتيت والتصعيد والتأزيم. والملاحظ أن منهجية السياسات ما بينهما متشابهة إزاء الأحداث كما هو موقفهما مما يحدث في سوريا ما يدفع التعاون القائم بينهما ليكون مصدر أمن واستقرار للمنطقة. ولعل ما يدعم تلك الرؤية هو في اتفاقهما على توحيد الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب ومكافحته. والتوجس من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة فضلاً عن ترحيبهما بفكرة الحوار بين أتباع الأديان والتعايش السلمي بين الشعوب. وكذلك موقفهما من أن الإصلاح ينبع من الداخل ولا يفرض على الدول مع احترام ثقافة وخصائص كل مجتمع. كما أن الرياضوأنقرة متفقتان على ضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية. كما تؤيدان عملية السلام في الشرق الأوسط وحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس قرارات الأممالمتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام كخيار استراتيجي وتؤيد تركيا المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط والتي تقدم بها خادم الحرمين الشريفين للجامعة العربية والتي تبنتها بالإجماع. كما ان موقفهما من العراق يكاد يتطابق حيث تدعوان الى إقامة عراق موحد مستقل ذي سيادة والامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية وأن الحل يكمن في المصالحة الوطنية العراقية الشاملة. إن ما يجمع بين المملكة وتركيا هو أكثر بكثير من نقاط الاختلاف، فالقضية لم تعد تبادل مصالح بقدر ما هي شراكة، بدليل زيارة سمو ولي العهد لتركيا اليوم، فضلاً عن أنه ليس لهما أي أهداف توسعية أو أطماع في أراضي دول الجوار وثرواتها ما جعلهما يتمتعان باحترام وتقدير دولي ناهيك عن كونهما من كبريات الدول المؤثرة إقليمياً، لانتهاجهما سياسة معتدلة وحرصهما على إشاعة السلام والأمن الدوليين.