حملتُ حقيبتي ومضيتُ متوجِّهةً إلى الشرقية، إلى عنوانٍ أعرفه، وأحلم بزيارته، أمرُّ بأماكن وشوارع جانبية، وظلال أشجار، ومبانٍ صامتة، لها مكانة في حياتي، لا يمر يوم إلاَّ يصدر خبر من ذلك المكان، قصصهم تُحفِّز وتصنع الأمل في نفوسنا، بعد أن تعتل الروح وتضمر من إخفاقات كثير من شركاتنا المحلية. ذلك المكان يا إخوان "شركة أرامكو السعودية". التي تشرف على ثروتنا القومية، وتدير نفطنا ومشتقاته.. أخذنا منها الاستشارة في بناء العمارة.. تعمر جامعاتنا وتخطط لدرء الخطر عن شوارعنا من السيول.. كبرنا وعرفنا "أرامكو"، وكبر الإيمان في قلوبنا بتلك الشركة العملاقة. تكررت زيارتي لمقرها في الشرقية، وتخطيت شبك أرامكو، وتحدثت في أروقتها، والتقيت برجالها ونسائها وشبابها وشاباتها، استدعيتُ قصصًا من مستودع الذكريات، وروايات حديثة من صندوق "أرامكو" الواسع الذي لا ينتهي في ذهني، أسرع بذكرياتي القديمة في كل زيارة التي لم تغادرني أبدًا، وأتأمّلُ عبر سنوات عديدة، كيف كان أهالينا يتحدثون عن الأمريكان، وخصوصية المكان داخل شبك "أرامكو"! كيف كانت تصل أخبار الشركة العظيمة إلى دكان والدي في السوق الصغير بمكة، دون التواصل التقني الحديث؟ وأتساءل: كيف كانت تصلهم الأخبار من دون تبادل الحديث عبر شاشات ال(بلاك بيري.. والآيباد.. والآيفون). كان والدي -رحمه الله- يتحدث عن تلك الشركة، ويكتم في صبر مذهل الألم والحزن، ويتساءل: لماذا لم تنسخ من هذه الشركة أخوات لها؟! ترن في أذني حكايته وأحاديثه وكلماته التي لا تُنسى، كنت أستمع لسؤال والدي -رحمه الله- وأضع رأسي بين راحتي، وأتأمل الرحلة التي يرويها عن تلك الشركة التي حُرِمَت من الأخوات، كانت كلماته تتلاشى في الروح، وتتعثر في الانفعالات. طوال سنين عمري تزداد مهابتها وعظمتها بإنجازاتها. نسمع عن "أرامكو" الدقة والأمانة والإبداع وغيرها من الصفات. استطاعت عبر سنوات طويلة من العطاء والتألق في دنيا الإبداع أن تضع بصماتها المتميزة المحلية والخارجية دون شقيقات.. فهنيئًا لنا بهذه الشركة العملاقة، وهنيئًا لنا لو أصبح لها شقيقات. [email protected]