قليل ما يظهر في عالمنا زعماء أبطال يسجلون أسماءهم في ذاكرة التاريخ بحروف من ذهب، وتظل الأجيال المتعاقبة تدرس تاريخهم بوصفهم رموزا شامخة، تميزوا بالتضحيات والفداء من أجل الحصول على استقلال بلدانهم، أو توحيد أجزائها وطرد المستعمر من أراضيهم المحتلة، أو مقاومة العنصرية والقضاء عليها. ولعلنا نذكر بأنه يأتي على رأس تلك الرموز (الملك عبدالعزيز آل سعود) يرحمه الله، الذي صنع هذه المعجزة «فوق الرمال»، ووحد هذا الكيان الكبير المترامي الأطراف، وحافظ على أمنه واستقراره، ووضع أسس هذا التقدم الذي تشهده المملكة في مختلف المجالات. وكذلك (المهاتما غاندي) السياسي البارز والزعيم الروحي للهند الذي قاد حركة مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل حتى نيل الاستقلال. وأيضا (سعد زغلول) قائد ثورة 1919 في مصر، وأحد أبرز رموز الكفاح فيها. و(نلسون مانديلا)، الذي توفي مؤخرا، كان آخر أولئك الرموز الأفذاذ، فقد كرس حياته للنضال من أجل كرامة شعبه، وهو القائل «قاتلت ضد هيمنة البيض، وقاتلت ضد هيمنة السود»، ومن أجل ذلك استحق أن يفوز بجائزة نوبل للسلام. كان من الطبيعي أن يجد «مانديلا» نفسه محاربًا ضد النظام العنصري الذي كان يمنع السود من التصويت، والسفر من دون إذن، ويمنعهم كذلك من تملك الأراضي، كل تلك الممنوعات أشعلت فيه نار الحماسة، وصنعت منه محاربًا قويًا، ومن ثم بطلاً قوميًا، ودفع ثمن ذلك حريته، وصحته، حيث تم سجنه مدة 27 عامًا، قضاها في سجن جزيرة «روبي آيلاند» أكثر سجون جنوب إفريقيا إثارة للرعب. ومن المفارقات العجيبة أن يتحول هذا السجن إلى قاعة أفراح، يأتي إليه العرسان من كل أنحاء العالم ليعقدوا قرانهم فيه. في رحلة كفاحه، غادر (مانديلا) بلاده هربًا ودون جواز سفر، واستقبلته دولة (تنجانيقا) التي منحته وثيقة سفر مدون فيها التالي: «هذا نيلسون مانديلا مواطن من جنوب إفريقيا مسموح له بمغادرة تنجانيقا والعودة إليها»، لكن الرئيس السوداني آنذاك (إبراهيم عبود) منحه جواز سفر سودانيًا دبلوماسيًا، الأمر الذي سهل له مهام السفر حيث يشاء. وحينما فاز في الانتخابات وقضى الفترة الأولى كرئيس للبلاد، امتنع عن الترشح لفترة أخرى، ومن ثم أنشأ مجلس حكماء العالم وتفرغ له، واختار الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والصيني تشاوتشينغ، وكوفي عنان وآخرين كأعضاء في المجلس. وقال عنه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش «رجل الدولة الأكثر احترامًا في عصرنا»، ومنحه ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية، كما حصل على وسام «لينين» من الاتحاد السوفيتي، وبهكذا يغادرنا العظام بكل هدوء. [email protected]