منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية الإيرانية؛ بدأ الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني إرسال رسائل جديدة للداخل والخارج، تؤكد على استعداده لانتهاج سياسة جديدة تقوم على قاعدة الوئام والمصالحة في الداخل، والاستعداد للتعاون مع قادة الدول العربية والإسلامية لمعالجة مشكلات العالم الإسلامي، ولقد جاءت مواقفه الواضحة تجاه المملكة العربية السعودية خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بحيث أكد على العلاقة القوية التي تربط إيران بالسعودية، كما أن جوابه على رسالة التهنئة التي وجهها إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مُؤشِّر مهم على هذا التوجه، ومما جاء في الرسالة الجوابية: إن من أولويات السياسة الخارجية في إيران الاهتمام بالمنطقة والدول الجارة، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لها أهمية خاصة في الحكومة الجديدة. وأعرب عن ثقته بأن السلام والاستقرار سيعودان إلى المنطقة، من خلال جهود زعماء دول المنطقة خاصة إيران والسعودية، وكان روحاني قد كرر فور فوزه بانتخابات الرئاسة الإيرانية تصريحات بشأن رغبته في تطوير العلاقات مع السعودية. وأثار روحاني احتمال تحسين العلاقات بين إيران والعالم، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، وتحقيق تقدم في حل الخلاف النووي، وقال قبل يوم من انتخابه إن إنهاء الخلافات بين إيران وجيرانها سيكون على رأس أولوياته. لقد شكلت الانتخابات الإيرانية الأخيرة محطة مهمة على صعيد التأكيد على قدرة الشعب الإيراني على إرسال رسائل مهمة للداخل الإيراني وللقوى الخارجية والعربية والإسلامية. فقد استطاعت القوى الإصلاحية الإيرانية المعتدلة إنجاح مرشحها الشيخ حسن روحاني من الدورة الأولى للانتخابات في مواجهة المرشحين المحافظين الخمسة، كما أن النسبة العالية من التصويت -والتي فاقت السبعين بالمئة- أكدت رغبة الشعب الإيراني بالتغيير، ووجود ملاحظات أساسية له حول السياسات الإيرانية الداخلية والخارجية. ورغم أن مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجلس الأمن القومي والحرس الثوري الإيراني يلعبون دورًا مهمًا في تحديد السياسات الإيرانية الخارجية، فإن شخصية الرئيس ورؤيته السياسية والإستراتيجية وفريق عمله يساهمون في توجيه هذه السياسات، وإعطائها فرصًا أخرى من التغيير والتوجيه. وقد شكّلت تجربة الرئيسين الإيرانيين الأسبقين الشيخ هاشمي رفسنجاني والدكتور محمد خاتمي دليلًا مهمًا على قدرة الرؤساء في إيران على تقديم صورة مغايرة للسياسات الخارجية، ولعبا دورًا مهمًا في تطوير علاقات إيران مع الدول العربية والإسلامية. تقول مصادر إيرانية إصلاحية وقريبة من فريق عمل الرئيس المنتخب الشيخ حسن روحاني: إن الرئيس الجديد يمتلك رؤية مختلفة للسياسات الخارجية، وهو مستعد لإطلاق مبادرات عمل، ويريد إحداث تغيير في السياسات الإيرانية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وتعتبر المصادر أن المشاركة الشعبية الإيرانية الواسعة في الانتخابات دليل على رغبة الشعب بالتغيير، والاعتراض على السياسات التي كانت منتهجة خلال السنوات الثماني الماضية، والتي أدت إلى فرض الكثير من العقوبات على إيران، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتوتر العلاقات بين إيران والعديد من الدول العربية والإسلامية. وانطلاقًا من هذه المعطيات؛ تُركِّز المصادر الإيرانية على أهمية المبادرات الجديدة التي أطلقها الرئيس الإيراني الجديد على صعيد العلاقات الخارجية، وضرورة أن يتم ملاقاة الرئيس الإيراني في منتصف الطريق، لتُحوَّل هذه المبادرات إلى خطوات عملية تساعد في معالجة الأزمات التي يُواجهها العالم العربي والإسلامي. وتؤكد المصادر أن الرئيس روحاني قد يُطلق مبادرات عملية جديدة في المرحلة المقبلة لمعالجة المشكلات القائمة، ولا سيما ازدياد أجواء التوتر المذهبي في العالم العربي والإسلامي. وتقول المصادر الإيرانية: إن في إيران وفي داخل الأوساط الإصلاحية ولدى النخب الإيرانية الفكرية والسياسية ملاحظات كثيرة على صعيد العلاقات الخارجية، وهناك دعوات دائمة لعدم حصر العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية وحزب الله، وأن في العالم قوى ودول أخرى، وهذا يقتضي البحث عن سياسات جديدة، مع الاحتفاظ بالثوابت الأساسية في سياسات الجمهورية الإسلامية. وعلى ضوء هذه المعطيات، ومن خلال تجربة الرئيسين الأسبقين الشيخ هاشمي رفسنجاني والدكتور محمد خاتمي، تتوقع الأوساط الإيرانية حصول تَغيُّرات مهمة في سياسات إيران الخارجية، وإطلاق مبادرات عملية، مع الأخذ بعين الاعتبار الترحيب الكبير الذي لقيه انتخاب الشيخ حسن روحاني من الدول العربية والإسلامية والغربية، ما يفرض عليه التجاوب مع هذا الترحيب، وإطلاق خطوات عمل إيجابية لمعالجة المشكلات القائمة. إذن نحن أمام مرحلة إيرانية جديدة، وعلى القوى والحركات الإسلامية والمرجعيات السياسة والدينية ولا سيما في الدول العربية والإسلامية أن تتعاطى بإيجابية مع هذه المرحلة، وأن تتعاون مع القيادة الإيرانية الجديدة عسى أن يتم الاتفاق على إطلاق مبادرات جديدة تساعد في التخفيف من أجواء الاحتقان المذهبي، وتُقدِّم حلولًا عملية للأزمات القائمة في العالمين العربي والإسلامي.