أثبتت الانتخابات الرئاسية في إيران أن غريزة الدولة في حبّها للبقاء أقوى من أيديولوجيتها. فقد كان فوز روحاني بمثابة مفاجأة لكل من المراقبين الدوليين، ونقاد النظام في الداخل. وعلى الرغم من مؤهلاته وخلفيته ووضعه كرجل دين، لم يُنظر إليه كمرشح مفضل لخامنئي. فقد كان متوقعًا أن يحصل كل من سعيد جليلي، ومحمد باقر؛ وعلي أكبر ولايتي مستشار خامنئي للشؤون الدولية، على دعم خامنئي في هذه الانتخابات. وفي حين أن الأزمة النووية مع إيران لم تنتهِ، إلاّ أن الشعب الإيراني قد أظهر أنه يريد تغييرًا في النهج والأسلوب. وربما كان اعتقاد العديد ممّن صوتوا لصالح روحاني متوافقًا مع اعتقاد السجين السياسي عماد بهاور الذي قال إنه على الرغم من أن روحاني شخصية غير داعمة للديمقراطية، إلاّ أن انتصاره ربما يغيّر من معادلة القوة لصالح الديمقراطية من خلال إضعاف المؤسسات التي يديرها خامنئي. وتمحورت الفكرة الأساسية لحملة روحاني في انتقاده للسياسة النووية الإيرانية خلال السنوات الثماني الماضية، التي تسببت في سلسلة من العقوبات على إيران. ولم يتضرر مجتمع الأعمال والقطاع الخاص وحدهما من جراء العقوبات، بل امتدت الأضرار لتشمل الشركات التي يمتلكها "فيلق الحرس الثوري الإسلامي". ولم تترك السياسة الحالية سوى النزر اليسير من الأمل للحل السلمي للأزمة النووية، وبسبب العقوبات، أصبحت هذه الأزمة الشاغل الأول للعديد من المواطنين الإيرانيين. وفي المناظرات التي أجراها في حملته الانتخابية، دافع روحاني عن السياسة النووية في مرحلة ما قبل أحمدي نجاد، التي كانت تحت إدارته بين 2003-2005. فقد قال إنه نجح في الحفاظ على البرنامج النووي بعيدًا عن أجندة مجلس الأمن الدولي، في حين منع حدوث توقف كبير في البرنامج النووي. كما ذكر أنه ينبغي على إيران أن تغير نمطها التفاوضي، وأن تطمئن الغرب إلى أنها لا تسعى إلى تصنيع قنبلة نووية، وأنها تعمل على إنقاذ الاقتصاد من العقوبات، في الوقت الذي تفسح فيه الطريق أمام البرنامج النووي الإيراني السلمي لكي يسير قدمًا. كما أنه وصف القرار في 2003-2004 بوقف تخصيب اليورانيوم لبضعة أشهر كوسيلة تثبت من خلالها إيران أن البرنامج النووي هو لأغراض سلمية. ويمكن تفسير فوز روحاني بأنه نجاح لسياسة الغرب تجاه البرنامج النووي. فمنذ بداية العقوبات، شكك العديد فيما إذا كانت هذه العقوبات ستغير سياسة إيران النووية، ولكن انتخابات 2013 أثبتت أن العقوبات أثرت بعمق في آراء الناس حول سياسة المقاومة التي تنتهجها الحكومة بدلاً من التوصل إلى تسوية. وخلال الحملة الانتخابية انتقد العديد من المرشحين نهج المقاومة والذي لم يدافع عنه سوى المفاوض النووي الحالي سعيد جليلي. هناك بعض الإشارات على أن خامنئي لم يقدم الدعم الكامل لمنافسي روحاني. وقد طالب خامنئي المعارضين بالمشاركة في الانتخابات من أجل مصلحة البلاد. وكانت هذه المرة الأولى التي طلب فيها المرشد الأعلى الحصول على مساعدة من المعارضين. وفي أحد خطاباته أثناء حملته الانتخابية، قال روحاني "اسمحوا لي أن أقول لكم بشكل مبهم إن ما حدث عام 2009 لن يحدث عام 2013" بمعنى أن فريق خامنئي سيضع في اعتباره أصوات الشعب. وعلى خلاف ما حدث عام 2009، لم ترد أية تقارير عن عمليات تزوير في الانتخابات، حيث تقبل جميع المرشحين النتائج. ومع ذلك، ينبغي أن يكون الآن لدى الغرب المزيد من الثقة في المفاوضات لأن الشعب الإيراني قد أظهر أنه يكترث للضغوط ضد السياسة النووية، وفي الواقع أظهرت النخبة المتشددة أنها منقسمة بشدة بشأن كيفية المضي قدمًا على المسار النووي. ولكن لا ينبغي على المرء نسيان أن تبرير روحاني للمفاوضات أثناء الحملة الانتخابية كان لتخفيف الضغط دون التخلي عن البرنامج. المزيد من الصور :