في سياق دفاعه عن النظام السوري، وتبريره تزويده أسلحة متطورة يقاتل بها شعبه، لم يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يقوله سوى إنه يتعاطى مع «حكومة» شرعية! كيف يمكن أن تكون الحكومة السورية المنبثقة عن نظام غير شرعي، قائم على العائلة والطائفة، على علاقة بالشرعية من قريب أو بعيد؟! من الواضح أن بوتين لم يتعلّم من تجربة الاتحاد السوفيتي. فقد جاء إلى بلفاست -حيث انعقدت قمة الدول الثماني الكبار- يردد الكلام نفسه الذي كان يردده أي مسؤول سوفيتي. حلّت سوريا والنظام فيها مكان إحدى الجمهوريات السوفيتية، أو أحد بلدان أوروبا الشرقية، علمًا أن العالم تغيّر، وأنّ الشعب السوري يرفض العيش في ظلّ نظام لا همّ له سوى إذلاله، واستعباده، وسلب خيراته في ظلّ شعارات عفا عليها الزمن، شعارات من نوع «المقاومة»، و»الممانعة». لو كانت هناك مقاومة أو ممانعة، هل كان الرئيس الروسي عرض إرسال قوات إلى الجولان للحلول مكان الوحدة النمسوية العاملة مع الأممالمتحدة في المنطقة؟ هل من هدف آخر من العرض الروسي سوى تقديم ضمانات لإسرائيل بأنّ لا خطر من النظام السوري عليها، وأن في استطاعتها البقاء في الهضبة المحتلة منذ 1967 إلى أبد الآبدين؟! ليس في الغرب، مَن هو على عجلة من أمره في الموضوع السوري. ما الفارق بالنسبة إلى الرئيس اوباما إذا انتهى النظام السوري، وهو انتهى فعلاً، ورحل عن دمشق بعد قتل مئة ألف سوري، أو مئتي ألف سوري؟ من الواضح أن مئة ألف قتيل سوري زيادة لا تعني له شيئًا ما دام لا تهديد لأمن إسرائيل! كان مفترضًا في الشعب السوري أن يجد في روسيا الاتحادية داعمًا له ولثورته، فاذا به في مواجهة حلف روسي - إيراني لا همّ له سوى تدمير سوريا، وتفتيتها في حال لا يستطيع وضع يده عليها كلّها. كان الأمل كبيرًا في أن يطرأ تغيير على تصرف فلاديمير بوتين، خصوصًا أنه يعتبر نفسه صاحب شرعية حصل عليها من الشعب الروسي الذي انتخبه رئيسًا. لا يستطيع المراقب المحايد الشكّ في شرعية الرئيس الروسي، على الرغم من أن قسمًا لا بأس به من الشعب الروسي يمتلك أسبابًا وجيهة تسمح له بالاعتراض على الطريقة التي وصل بها بوتين إلى الرئاسة مرّة تلو الأخرى. ظاهرًا، يمتلك بوتين شرعية ما، ولكن ماذا عن شرعية النظام السوري التي تصرّ روسيا على بيعه أسلحة؟! في الواقع، لا وجود لأيّ شرعية لدى النظام السوري الذي هو نتاج انقلاب عسكري قامت به مجموعة من الضباط في الثامن من مارس 1963. غطى الضباط أنفسهم بحزب البعث، ومدنييه في البداية، وما لبثوا أن انقلبوا عليه. أمّا ما جرى بعد ذلك، فهو معروف جيدًا مع صعود الثلاثي العلوي (صلاح جديد، ومحمّد عمران، وحافظ الأسد) إلى الواجهة، ثم إبعاد عمران، وسجن جديد، وصولاً إلى استحواذ حافظ الأسد على السلطة كلّها في عام 1970. ومعروف جيِّدًا كيف خلف بشّار الأسد والده، وكيف جرى تعديل الدستور ليلائم عمر الرئيس الجديد. وما هو معروف أكثر أن الشرعية الوحيدة التي يمتلكها النظام السوري هي تلك التي يستمدها من سفكه لدماء السوريين، واللبنانيين، والفلسطينيين، وعددهم بعشرات الآلاف. هؤلاء قضوا على يد نظام لم يتردد يومًا في استخدام المدافع، وراجمات الصواريخ، لقصف مدن وقرى سورية، ولبنانية، ومخيّمات فلسطينية. ما ليس معروفًا، كيف لا يستحيي رئيس روسيا عندما يتكلّم عن «شرعية» في سوريا؟ كيف يمكن أن يسمح لنفسه بتجاهل ما يدور على الأرض السورية منذ سنتين وأربعة أشهر. لم يعد السؤال: هل تعلّم بوتين شيئًا من تجربة الاتحاد السوفيتي؟ السؤال كم عدد القتلى الذي يحتاجه ليقتنع بأن ليس في استطاعة نظام انتصار على شعبه مهما امتلك من السلاح المتطور، ومهما استعان بالغرائز المذهبية؟! المزيد من الصور :