كل شئ مُمكن التجاوز عنه إلاَّ الاستهانة بحياة الإنسان وصحته، مقابل الكسب المادي الزائل. ما سمعناه وقرأناه عن حملات التفتيش المباركة على الفنادق والمطاعم التي قامت بها البلديات، وما أفرزته من نتائج مُرعبة ومُحبطة في آن واحد، تجعلك تُعيد تفكيرك آلاف المرات قبل أن تضع قدمك على عتبة الفنادق والمطاعم، حتى تلك التي كنَّا نقف عند أبوابها بالساعات من أجل انتظار طاولة فارغة. مطاعم وفنادق خمس نجوم كانت تُغرينا بديكوراتها البرَّاقة، وطاقمها الوسيم المُهندم، وقائمة طعامها التي يسيل لها اللعاب، ثم نُفاجأ بعد ذلك كله بأنها خَدَعَتنا، وأدخلت لبيت الداء والدواء أطعمة تجلب كل الأدواء، من لحومٍ فاسدة يأنف من تذوقها الكلب الجائع، ومخازنها ومستودعاتها المليئة بالفئران والحشرات، فالصُّور المنشورة أظهرت لأعيننا تلك السعادة العارمة لفئران كانت تسرح وتمرح بجوار أواني الطبخ، وكأنَّها المُشرف الفني الخفي على الأكلات الفاخرة. ومما يزيدك تقززاً أنَّ بعضاً من تلك المطاعم يُخزِّن اللحم في أكياس القمامة، تلك الأكياس المُصنَّعة من مواد مخصصة لحفظ النفايات. وأزيدكم شوقاً بأنَّ مَحَال للآيسكريم تتصف بالعالمية، يشتري منها كبارنا قبل صغارنا لإطفاء لهيب حرارة الصيف، تصنع الآيسكريم في براميل قذرة وصَدِئة. وفوق ذلك كله فإنَّ العاملين والمشرفين على هذه المَحاَل جُلُّهم من العُمالة الوافدة التي تفتقر لأدنى مقومات النظافة الصحية والشخصية، رأيناهم وهم يخلطون المواد بأيديهم القذرة وأظافرهم المتسخة، وأجسادهم التي يقطر منها العرق، ويتصبب على مكونات الطعام. هذا غيض من فيض، وُجِد في أفخم المطاعم والفنادق، فكيف بالمطاعم والمطابخ الشعبية التي تملأ شوارعنا الرئيسة والداخلية، مطاعم تُفتح بلا عدد، فكل من امتلك حِفنة من المال أخذ تصريحاً رسمياً لإنشاء مطعم. لاشك أنَّنا بعد أن رأينا تلك الصور قد تأكد لنا سبب انتشار مرض كورونا في ديارنا، التي أظهرت الدراسات أنَّ الفئران ومخلَّفاتها هي السبب الرئيس في تفشِّيه. أين كانت هذه الحملات في السابق؟ لماذا تأخر ظهورها حتى استفحل الأمر، وباتت بطوننا مخازن آمنة للنفايات والأوبئة؟ إنَّ إنشاء لجان تفتيشية من غير أن تكون هناك عقوبة رادعة لأصحاب المطاعم المُخالفة حتماً سَيُعيد الكِتَّان كما كان، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، فلا تكفي الخصومات المالية وحدها، لأنَّ من لا ضمير عنده سوف يسترجعها مرة أخرى من جيوب المواطنين وفي أسرع وقت. الذي نريده هو التشهير الرَّسمي بهذه الفنادق والمطاعم مهما بلغت فخامتها، وأنَّى كان صاحبها. وأُطالب بتشهير من جهة رسمية حتى لا يُترك الحبل على الغارب، فيستغل بعضهم الوضع لتصفية الحسابات، أو الطعن في بعض المطاعم والتشهير بها من أجل منافسة غير شريفة. [email protected]