أسهم التطور المتسارع في الأجهزة الذكية في وجود فجوة واسعة بين الأبناء والفتيات من جهة والأسرة من جهة أخرى، ولذلك كانت المحصلة جيلا صامتا اجتماعيا نشطا ومتفاعلا إلكترونيا. وفيما يرى البعض ضرورة تفعيل دور الاسر في مراقبة الأبناء بوعي وفتح حوار ناضج معهم، يؤكد آخرون صعوبة السيطرة على هذه الأجهزة وان المنع لم يعد مجديا للحد من مخاطر ما تبثه هذه الوسائل العصرية من مقاطع ومشاهد فاضحة وخادشة للحياء. في البداية يرى الشاب ف. م أن للرفقة السيئة دورًا في استقبال الكثير من المقاطع الفاضحة على الأجهزة المحمولة وبالتالي فإنه وأقرانه بحاجة إلى مزيد من التوعية والتوجيه للحفاظ على السلوكيات الحميدة ويرى أن الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع تتحمل الدور الأكبر في ذلك. أما الشاب م. ر: فيرى أن بعض الأسر تعتقد أن دورها ينحصر في توفير المأكل والمشرب والمسكن للأبناء والفتيات في حين أن القرب منهم وتفقد حاجاتهم النفسية يعد الأهم من خلال تعزيز السلوك الإيجابي وتحذيرهم من مخاطر التقنية وربطها بأهمية الخوف من الله تعالى وتقوية الوازع الديني في نفوسهم. اما الفتاة ر. ب فتؤكد على أهمية قرب الأم من بناتها وتلمس حاجاتهن النفسية واحتوائهن بكل نافع ومفيد من خلال إشراكهن في أعمال المنزل أو إلحاقهن ببرامج تدريبية مفيدة تقلل من التصاقهن بالأجهزة المحمولة التي تستحوذ على معظم أوقاتهن كما أن الجلوس مع البنات في جو يسوده الوضوح والثقة المتبادلة والشفافية يكشف الكثير من الأمور المتعلقة بسلوك الفتيات ويعمل على معالجتها. وتؤكد ف. أ أن جلوس الفتاة في غرفتها بمفردها معظم ساعات اليوم بعيدا عن رعاية الأم يجعلها في متناول مواقع التواصل عبر الشبكة العنكبوتية ودردشات الأجهزة الذكية لتعوض غياب تواصلها مع أمها وأسرتها. واضافت ان الفتاة قد تجد في هذه المواقع من يحتويها ويستمع لها بل ويؤثر على سلوكها وطريقة تفكيرها لذا فإن دور الأسرة في القرب من الفتيات والأبناء والاستماع اليهم يعد طوق النجاة للخروج من هذا المأزق. وجهان للتقنية يقول الدكتور عبدالله بن محمد الفوزان أستاذ علم الاجتماع بجامعة حائل: للتقنية وجهان أحدهما إيجابي والآخر سلبي موضحا ان ضعف سيطرة الأسرة على ما يتعرض له الأبناء والبنات من رسائل عبر أجهزة التقنية يعد مشكلة عالمية تشكو منها الأسر في كل المجتمعات المعاصرة. واضاف: فتحت التقنية آفاق التواصل مع الآخرين واوجدت عالما مفتوحا لا تحده حدود ولا يمكن للأسرة أن تراقب الأبناء والبنات طوال الوقت ولكنها تستطيع أن تتواصل معهم وتبين لهم إيجابيات وسلبيات هذه التقنية، أما المنع فلم يعد مجديا في الوقت الراهن. ويمكن تخفيف الآثار السلبية للتقنية على الأبناء بتخصيص أوقات للاجتماع اليومي بين أفراد الأسرة بعيدا عن كل الأجهزة ومحاورتهم عن آثارها الإيجابية والسلبية وكيفية الاستخدام السليم لها وتحذيرهم من مخاطرها على صحتهم وأخلاقهم. مصيبة العصر واعتبر الدكتور علي الزهراني الاستشاري النفسي بكلية الطب بجامعه الطائف الأجهزة الذكية مصيبتنا في هذا العصر لنخزها في عضد الأجيال في صمت دون أن ندري أنها باتت قاعدة للتغير في المفاهيم والمعتقدات! وأوضح ان الجيل الذي كان يمتعض ويغض الطرف عندما يرى مشاهد مخلة بالآداب سيصبح معتادا عليها ولم يطل علينا الوقت لأننا بدأنا نلاحظ ونشاهد ذلك في عياداتنا رغم أن ذاك الجيل لم يلحق إلا جزء من هذا الانفلات الأخلاقي وأصبحنا نرى الزوج الشاب يضبط زوجته تعاكس بجهازها من خلال صور ومقاطع فاضحه ومع ذلك يعطيها الفرصة تلو الأخرى وما كان لذلك ان يحدث في جيلنا والأجيال السابقة ولذا ندائي للعقلاء بضرورة اللحاق بهذه الأجيال قبل أن تنقلنا ثقافيا لبلدان بعيدة عنا. وفي المقابل ترى المستشارة الأسرية والكاتبة سلوى العضيدان أن الأسرة الحقيقية لم تفقد السيطرة على مسار أبنائها ولذلك فلا خوف على من تحيطهم رعاية اب مسؤول وأم واعية، لكن الإشكالية في الأسرة المهملة التي تظن ان شراء مثل هذه الأجهزة ووضعها بين يدي أبناء ما زالوا في طور المراهقة هو نوع من التمدن الحضاري ودليل على ذهنية متفتحة، وأعربت عن اسفها لأن صغار السن والمراهقين لم يصلوا للنضج الفكري الذي يجعلهم مدركين حقا للأثر السيئ لمثل هذه المقاطع ومنافاتها للأخلاق والدين، وهذا ما سيدفعهم إما لتقليد ما جاء فيها أو على الأقل الإدمان عليها. واشارت إلى انها لاتدعو إلى التجسس ونظرات الشك وعدم الثقة بالأبناء لكن على الأقل يجب ان يكون هناك مراقبة لهم بشكل دائم لبيان مخاطر مثل هذه المقاطع وحرمتها، وإشغال وقت الفتاة والشاب بالنافع من الأعمال الأسرية والمجتمعية والثقافية.وخلصت إلى أن الأهل الذين يضعون مثل هذه الأجهزة بين أيدي المراهقين دون وعي واهتمام يجب محاسبتهم عند حدوث أي مشكلة. زمن التحديات الإعلامية من جهته يقول الداعية الدكتور مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي نحن في زمن التحديات الإعلامية، والأسر تواجه اليوم أشبه ما يكون بالطوفان الذي يكاد يأتي عليها بأكملها من خلال هذه الأجهزة التي بات العالم كله من خلالها كالقرية الصغيرة. ويجب أن ندرك أن المرحلة التي تعيشها الأسرة هي الأخطر على مر العصور الماضية كلها، وإذا لم تستيقظ لهذا الخطر وتستعد لمواجهته ستكون إحدى ضحاياه في الواقع.وعلى الأسرة إذا أرادت أن تواجه هذا الخطر أن تتحصن أولا بالإيمان والتقوى والصلاح والعلم وأن تبني خطة محكمة لبناء القيم والمبادئ والمثل في حياة الأبناء. ورأى أن الضمان الوحيد للوقوف أمام الكوارث التقنية في عالم اليوم إصلاح نفوسنا وتهذيبها وتربيتها على تعظيم شعائر الله تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وتربية الأبناء على القيم جزر معزولة ويقول الكاتب محسن السهيمي إن إغراء الأجهزة الذكية للأبناء والبنات أمر لا يمكن إنكاره بعد أن جعلت منهم جزرا معزولة عما حولهم حتى أقرب المقربين إليهم وكنتيجة حتمية لذلك تشكلت تساؤلات جديرة بالطرح منها:ماهية المادة المقدمة في هذه الأجهزة؟ كم تأخذ من أوقات الأبناء لمتابعتها؟ ماهي الانعكاسات الإيجابية والسلبية على سلوكهم؟ ولأن هذه الأجهزة لا سبيل لمنعها أو الحيلولة دون حصول الأبناء عليها وتملكها ففي رأيي أن تعزيز الوازع الديني في نفوسهم مصحوبا بالتوعية والتوجيه المستمرين من أنجع الوسائل لتخفيف حدة الاستئناس بهذه الأجهزة. فجوة بين الأجيال ويشير رئيس التوجيه والإرشاد بتعليم القنفذة سليمان بن عمر بيطلي: إن التطور الهائل والمتسارع في البرمجيات والتطبيقات الإلكترونية أوجد فجوة واسعة بين الأجيال وجيلا صامتا اجتماعيا نشطا ومتفاعلا إلكترونيا مما أضعف دور الوالدين من ناحية التوعية والرقابة على الأبناء. ويلعب البناء النفسي لشخصية الابن منذ الطفولة دورا مهما في تشكيل هويته في مرحلة المراهقة وما بعدها، فيما لا يعد انشغال الوالدين بمتطلبات الحياة وسعيهم في تأمين مستقبل الأبناء مبررا لإهمال الجوانب النفسية والتنشئة الاجتماعية والتربوية السليمة، وينبغي أن يكون هناك توازن بين متطلبات الحياة من جهة وتنمية الوعي الذاتي لمواجهة المؤثرات السلبية وكذلك مواءمة بين تشجيع الأبناء على الإبداع والابتكار وحماية حقهم في التصفح الحر والملتزم. وتعد الشراكة القوية والمنظمة والمتماسكة بين مؤسسات المجتمع المختلفة الحكومية والاهلية أمرا مهما لتنمية مهارات الأبناء السلوكية والفكرية. ويؤكد المختص في علم النفس حسن بن محمد عوض: تؤكد التجارب أن الطفل نتاج لا يسهم فيه الأسرة والبيت فقط، لأن المجتمع بكل متغيراته ومستحدثاته يربيه جنبا إلى جنب مع الأسرة، حتى أصبحت تشعر بأنها تحارب من أجل إبقاء عمر التربية طويلا، وإن لجأت إلى المضادات والعلاج لمقاومة مرض نقص مناعة التربية تجاه الأبناء. الحراك التقني ويرى محمد علي العجلاني أستاذ اللغة الإنجليزية بالكلية الجامعية بالقنفذة أن عصر الحراك التقني دخل شريكا أساسيا مع الأسرة مشددا على الدور الكبير لمؤسسات التعليم عن طريق تفعيل مناهجها الإلكترونية المطورة بحيث تخرج تلك المؤسسات من العباءة التقليدية القديمة إلى الجديدة، لمواكبة تقنية العصر. ولفت إلى أن استمرارابتعاد الأسرة ومؤسسات التعليم عن ذلك سيزيد من اتساع الفجوة بين الطرفين، مما يشكل خطرا كبيرا على المستوى الاجتماعي والأمني في المجتمع. من جهته يرى الدكتور إبراهيم الحسني أن المؤثرات الخارجية التي تحيط بنا تغير من سلوكيات وتربية الأبناء ومن أبرزها وسائل التقنية المفتوحة ولذلك فإن تنظيم العلاقة بين الوالدين والأبناء والوسائل المؤثرة في تفكيرهم وتربيتهم يعد مطلبا ضروريا للوصول إلى معالجة بعض السلوكيات غير الإيجابية التي يحاول بعض الأبناء والفتيات إخفائها ويؤكد على ضرورة أن تكون الأسرة قريبة من بعضها في علاقاتها لإيجاد حلول لكل المشكلات والقضايا مهما كانت صغيرة، وصولا إلى وضوح العلاقة بين الوالدين والأبناء.
المشكلة خطفت الأجهزة الذكية التي يحملها الأبناء والفتيات على مدار الساعة جيلا بأكمله من كنف الأسرة ورعايتها لتلقي به في أحضان التقنية بإيجابياتها وسلبياتها.
التوصيات  تعزيز الأسرة للجوانب النفسية والتنشئة الاجتماعية والتربوية السليمة للأبناء.  حماية حق الأبناء في التصفح الحر والملتزم.  تخصيص أوقات للاجتماع اليومي بين أفراد الأسرة بعيدا عن كل الأجهزة.